د. يوسف الحاضري
(( النفس السخية الكريمة ))
الإمام علي عليه السلام رباه النبي محمد وزوجته خديجه ، حيث أخذه النبي من عمه أبو طالب ليهتم به دون أخوته الآخرين (وهذه بحد ذاتها آية من آيات الله ومقدمه عظيمة لمنزلة الإمام علي ) …
السيدة فاطمة الزهراء (الكوثر) عليها السلام ايضا تربت في بيت النبي وخديجة كونهما أبويها …
أراد الله الحكيم ان يتزوجا ببعض فكمال نوريهما لا ينبغي الا أن يكونا مع بعض ، ولكم أن تتخيلوا ذلك البيت وتلك الأسرة التي تتكون من علي وفاطمة عليهما سلام الله …
هذا البيت النوراني الذي يمتزج بعضه ببعض فيطغى نورهما على كل شيء جعلت من نفسياتهما الى نفسية لو يكشف لهما الغطاء (أي الجنة والنار) ما زاد في إيمانهما شيئا لأن إيمانهما أكمل الإيمان بعد إيمان النبي صلى الله عليه وعليهما وعلى أبنائهما وسلم ومن هذه النفسية الإيمانية (الكرم والعطاء ) والذي فاقا به بقية البشر فمعظم البشر ينفق ويعطي من منطلق الواجب او الأستجابة لأوامر الله او إعطاء الزائد عن الحاجة أو أو أو أما هما فهما ينفقان من لا يخشى الفقر وينفقان من أحب الأشياء إليهما وفي أحب الحاجة إليه وفي أشد الأوقات حاجة ويكون إنفاقهما بتأدب وسرية خشية أن يشعر المحتاج بشيء من المهانة عند الطلب فلا يحسسانه بشيء ويعطيان المحتاج كلما يملكانه دون التفكير بالغد وحاجة الغد وهموم الغد ،،، فأصبحت نفسيتهما أعظم الأنفس السخية الكريمة على الإطلاق وقص ذلك في القرآن أيضا …
عندما تمر عليكم آية أو قصة أو حدث لهؤلاء العظماء يجب ألا تتعاملوا معه كموقف يعكس عظمة اولئك فقط بل يجب أن تتدبروا تلك اللحظات وكيف تعاملوا معها وكيف كانت نتائجها ونتعلم تلك الدروس ونقتبس منها ما يفيدنا في أن نكتسب تلك النفوس لنعرف كيف نتصرف فيما اذا اصبحنا في نفس مواقفهم ،،، تخيلوا تلك الليلة التي كان فيها الإمام علي وزوجته فاطمة عليهما السلام ينتظران أذان المغرب وهما صائمان وكلما يمتلكانه من ثروة هي ثلاثة أرغفة (ربما يصل سعرهن هذه الأيام نصف دولار) ونفسيهما ترغب إليها وتجد فيها الغذاء والطاقة والحاجة ، وفجأة يأتي يطرق بابهما مسكينا محتاجا لشيء يسد جوعه ، فيجدان أنهما يمتلكان ثلاثة وهذا المحتاج لا يمتلك شيء فهما أغنى منه فيسارعان بإعطاءه ثلث ثروتهما كاملة (رغيف) ، وتبقى نفسيهما مستقرة راضية سعيدة بذلك ، فمازال لديهما الكثير ، فيأتي يتيما محتاجا لشيء يسد جوعه فيجدان ايضا أن اليتيم هذا لا يمتلك حتى من يقوم على شئونه بل ربما ان ابوه قد أستشهد في سبيل حمايتهما او في معركة لعزة الدين وحماية الأرض والعرض فيسارعان دون تردد أن يعطيانه نصف ما بقى معهما (رغيف ) ليبقى لديهما رغيفا واحدا وهما صائمان جائعان ، ليأتي أيضا أسيرا مازال خارجا من الأسر لا يمتلك شيئا فيجدان أن هذا الأسير أحق منهما من الرغيف الأخير ، فينفقان في تلك اللحظات كل ثروتهما التي يمتلكانها بكل حب ورغبة وسعادة وأكيد سرية وصمت وهدوء رغم حاجتهما وحبهما للطعام (صائمان) في تصوير مثالي للنفسية التي لو تمتلك مليارات ستنفقها كما أنفقت الثلاثة الأرغفة لأن البخيل في الشيء القليل سيبخل لو كان لديه كثير فالنفسية تبقى هي كما هي قل المال او كثر … لذا رأى وأحكم وقدر وعلم الله جل وعلا أن هذا الموقف من أعظم المواقف الإنفاقية التي يجب ان يقصها في القران ويضعها منهجية للبشرية كاملة على مر التاريخ يستندون عليها في نظام التكافل المجتمعي ليحافظ على تماسكه ووحدته وينال بذلك رضا الله وقبوله وتوفيقه …. فقد وقاهم اولا الله شر جوع ذلك اليوم وأشبعهما نفسيا ورحمة وقبولا واكيد جسديا ، ونظر إليهما بسرور ، ثم وصف النفسية المثالية الإنفاقية بالتالي ( ويطعمون الطعام على “حبة” ) يعني أفضل الإطعام في تلك اللحظة التي أنت تحبه ، جائع ، تتلذذ له ، تسمع طبخه وتشم رائحته فيسيل لعابك إليه وتنتظر لحظة الأنقضاض عليه ، وليست لحظة البقايا في السفرة وبعدما يشبع الإنسان حتى لو كان البقايا 100كجم طعام فلن يصل الى الثلاثة الارغفة العادية عند لحظة الرغبة والحب له ،،، وهذه نقطة هامة جدا يجب التركيز عليها والأهتمام بها بشدة وتركيز ،،،،
هذه النفسية العظيمة للإمام علي عليه السلام وصف الله ماذا سيجزيهم الله لقاء ذلك في الآخرة في حوالي 12 آية في سورة الإنسان يتناقلها الناس جيلا بعد جيلا حتى نهاية العالم ويعطينا نحن الفرصة لننال ما نالوا اذا أقتفينا آثارهما في هذا الأمر …. فهل نستطيع ان نطوع انفسنا على هذه الوضعية والنفسية العلوية العظيمة خاصة ونخن هذه الايام في هذا الفترة التاريخية والعالم كله يحاربنا ويحاصرنا وأصبح العوز والحاجة يجتاح كثيرا من البيوت والأسر وفرص الإستثمار مع الله كثيرة … !!!
#د_يوسف_الحاضري