أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
نتحدث اليوم في هذه المناسبة: الذكرى السنوية للصرخة في وجه المستكبرين، وإعلان هتاف البراءة من أعداء الله، وشعار الحرية والكرامة والإباء.
في هذه المناسبة نستذكر الموقف العظيم الذي أطلقه السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه”، في محاضرته المهمة: (الصرخة في وجه المستكبرين) بتاريخ: السابع عشر، شهر واحد، الفين واثنين للميلاد، في تلك الظروف المهمة والحسَّاسة والخطيرة، وذلك المنعطف الخطير، الذي واجهت فيه أمتنا الإسلامية بشكلٍ عام، مرحلةً جديدةً من الاستهداف العدائي الشامل من جانب أعدائها، عندما تحركت أمريكا ومعها حلفاؤها، وتحركت تحت عنوان مكافحة الإرهاب، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وجعلت من ذلك ذريعةً لاستهدافٍ شاملٍ يمكِّنها من السيطرة التامة على أمتنا الإسلامية، وبما في ذلك احتلال كثيرٍ من البلدان بشكلٍ مباشر، والسيطرة على ما بقي بشكلٍ تامٍ ومباشر.
تلك المرحلة الخطرة جدًّا، التي يشمل التهديد فيها لأمتنا دينها ودنياها، وأن تصادر عليها كرامتها وحريتها واستقلالها، وأن تطمس هويتها وانتماؤها، وأن يسعى الأعداء لتمكين عدوها الإسرائيلي بشكلٍ كبير ليكون هو الوكيل المباشر في المنطقة للغرب ولأمريكا، ولإزاحة كل تهديد أو عائق بنظر الأعداء أمام سيطرته، وأمام حضوره المسيطر في المنطقة.
في تلك المرحلة التي من أكبر الأخطار فيها، أن يكون في مقابل ذلك التحرك العدائي الواسع الشامل، أن يقابله حالة السكوت والصمت والاستسلام، أو حالة الإذعان والانضمام في صفه، والاستجابة له لتنفيذ ما يشاء ويريد، كانت هذه حالة خطيرة جدًّا، فتحرَّك السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” بمشروعه القرآني المبارك والعظيم والمهم، وعبَّر عن توجهه بشعارٍ يمثِّل- بحد ذاته- موقفاً حكيماً، مدروساً، مفيداً، مهماً، فأعلن الصرخة التي هي تتمثل بالشعار المعروف:
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
عادةً ما نتحدث عن الظروف التي أُعلِنَت فيها الصرخة، وانطلق فيها المشروع القرآني، حديثنا هذا على نحوٍ إجمالي عن طبيعة ذلك الاستهداف الشامل، كلنا يعرف أنَّ أمريكا تحركت ومعها حلفاؤها لاحتلال أفغانستان، وبعد ذلك اتجهت نحو العراق، وكان لها جدول وبرنامج تسعى من خلاله إلى احتلال عددٍ من البلدان في عالمنا العربي والإسلامي، وضرب عددٍ من البلدان، والاستهداف الشامل بأشكال متنوعة، وصولاً إلى السيطرة المباشرة بشكلٍ عام على بقية البلدان، من خلال قواعد عسكرية في مختلف البلدان، ومن خلال السيطرة التامة المباشرة على كل الوضع: سياسياً، واقتصادياً، وأمنياً… وغير ذلك، بل وحتى ثقافياً، وفكرياً، وتعليمياً، هناك توجه كان واضحاً أنه يستهدف كل المجالات في كل بلدٍ من بلدان أمتنا، وتوجهٌ عدائيٌ، يحمل عقدة العداء على الإسلام والمسلمين، وهذا شيءٌ واضحٌ آنذاك، وما قبل ذاك، وما بعد ذاك، يعبِّرون عنه بأشكال كثيرة مما يعبِّر عن عدائهم للإسلام والمسلمين، عداء حقيقي، وعداء شديد جدًّا للإسلام والمسلمين، ومعه أيضاً أطماع، أطماع كبيرة جدًّا في السيطرة على أمتنا، على مقدراتها، على ثرواتها، على أوطانها، حتى على ثروتها البشرية واستغلالها لمصلحة أعدائها.
هذا الاستهداف الذي له كل هذه الخطورة الكبيرة على أمتنا، كان لابدَّ في مقابله من موقف، فحتمية الموقف بالاعتبار الديني والمسؤولية أمام الله “سبحانه وتعالى” شيءٌ معروف، لماذا شرع الله الجهاد في القرآن الكريم، وأمر الأمة به، وتحدث القرآن كثيراً عنه؟ إلَّا لتواجه الأمة مثل هذه التحديات والأخطار التي تستهدفها في دينها ودنياها، ووجودها، وكرامتها، وتستهدف السيطرة عليها، وتستهدف إذلالها وقهرها، وتستهدف المؤامرة عليها بكل أشكال المؤامرات لتدميرها، وإفقادها وجودها المستقل، كل ما يفعله الأعداء هو يستدعي منا- بحسب المسؤولية أمام الله “سبحانه وتعالى”- أن يكون لنا موقف تجاه ذلك.
ثم أيضاً باعتبار المصلحة الحقيقية للأمة، وباعتبار الحكمة، والتوجه الصحيح تجاه خطر شامل يستهدف الأمة في كل المجالات، بشكلٍ عدائيٍ كبير، هذا يستدعي أن يكون لنا موقف، أن نقف ضد ذلك، أن نتصدى لذلك، هذا ما هو معلومٌ بالفطرة في واقع البشر، وما هو أيضاً مؤكدٌ عليه في القرآن الكريم في أوامر الله وتوجيهات الله “سبحانه وتعالى”.
ولذلك تحرَّك السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” بمشروعه القرآني، وعبَّر عن توجهه في التصدي لتلك الهجمة العدائية ضد أمتنا الإسلامية، عبَّر عن هذا التوجه بهذا الشعار: شعار البراءة، بالصرخة في وجه المستكبرين، وطلب أن يُهتَف بهذا الشعار ممن يستجيبون وينطلقون في إطار هذا المشروع، ويدركون طبيعة هذه المرحلة، وما فيها من المخاطر والتحديات على أمتنا، وخطورة السكوت، وخطورة الاستسلام، وخطورة الصمت، وخطورة أن يبقى واقع الأمة واقعاً خانعاً، ساكناً، جامداً، تجاه تلك المخاطر الكبيرة من جانب الأعداء.
عندما اختار هذا العنوان ليعبِّر عن ذلك التوجه المهم، فهو كان عنواناً مهماً ومفيداً، الشعار- بحد ذاته- يمثِّل صوتاً للأمة، في مقابل ما يفعله أعداؤها، يعبِّر هذا الصوت عن سخطها، عن احتجاجها، عن عدم تقبُّلها لما يفعله أعداؤها، عن عدم سكوتها تجاه المؤامرات الكبيرة التي تستهدفها، وهو أول ما ينبغي تجاه ما يفعله الأعداء: أن يكون لنا صوت نعبِّر فيه عن سخطنا، عن احتجاجنا، عن موقفنا من مؤامراتهم التي تستهدفنا كأمةٍ مسلمة، وأن يكون هذا الصوت قوياً وواضحاً، وهذه مسألة مهمة جدًّا.
إضافةً إلى ذلك: أنه يهدف إلى تحصين الساحة الداخلية للمسلمين (لأبناء الأمة) من الاختراق؛ لأن الاستهداف الأمريكي هو استهداف شامل، يستهدف هذه الأمة في كل شيء، يستهدفها فكرياً، وثقافياً، وسياسياً، ويستهدفها عسكرياً، وأمنياً، واقتصادياً، هو استهدافٌ شامل؛ ولذلك تحتاج هذه الأمة في واقعها الداخلي إلى حالة تعبئة، لتكون في حالة يقظة، انتباه، وعي تجاه تحركات الأعداء، وتعبئة عدائية؛ لتتحصن من اختراقهم، من نفوذهم، من تأثيرهم، الذي يتجه حتى إلى الاستقطاب، وكسب هذه الأمة لتكون مواليةً لأعدائها، مناصرةً لأعدائها، متقبِّلةً لسيطرة أعدائها عليها، فتحتاج الأمة إلى تعبئة عدائية وتحصين؛ حتى لا تتقبل بتلك السيطرة، وتوالي أعداءها، وتقف في صف أعدائها.
والشعار لم يكن لوحده، الشعار أتى ضمن نشاط تثقيفي وتوعوي واسع، ونشاط تعبئة واسعة، ونشاط كذلك يتجه إلى مواقف وخطوات عملية مرسومة ومحددة تضمَّنتها الثقافة القرآنية، وأيضاً صَحِبَه وكان إلى جانبه موقفٌ آخر هو المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية.
الشعار أيضاً يكسر حالة الصمت والسكوت التي أراد الآخرون أن يفرضوها، أن يفرضوها على أمتنا من الداخل، في مقابل الهجمة الهائلة الشاملة من جانب أعداء الأمة، وما يفعله الأمريكي، وما يفعله الإسرائيلي، الذي يتحرك للاستفادة من هذه الهجمة الأمريكية والغربية لإنجاز ما يريد أن ينجزه، وأن يستكمله في فلسطين، لتصفية القضية الفلسطينية بشكلٍ كامل، ولأن يتبوأ دوره الكبير في المنطقة في إطار التحرك الأمريكي والغربي الواسع، في إطار ذلك، وفي ما يصحب ذلك من مؤامرات واستهداف شامل لواقع الأمة، أرادوا أيضاً ألَّا يكون هناك أي تحرك يعيق التحرك الأمريكي والغربي والإسرائيلي، وأن تبقى الساحة العربية، والساحة الإسلامية بشكلٍ عام، ساحة مفتوحة، وبيئة مهيَّأة وخصبة لكل المؤامرات الأمريكية والإسرائيلية دون أي عائق على المستوى الشعبي أو الرسمي في أي بلدٍ عربيٍ أو مسلم، يعيق مؤامرات الأعداء، ويتصدى لمؤامراتهم وخططهم، أرادوا أن تبقى الساحة ساحة خانعة، مستسلمة، متقبِّلة، وأن يكون الحال بالنسبة لأبناء هذه الأمة: إمَّا أن يسكتوا رهبةً وخوفاً ورعباً واستسلاماً، وإمَّا أن يتقبَّل البعض منهم تلك الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية والغربية، وأن يتجاوب معها، أن يستجيب لها، أن يتفاعل معها وفق ما يريده الأعداء، وهذه حالة خطرة جدًّا.
أيضاً هو براءةٌ من الأعداء، براءة من أعداء الله، أعداء المسلمين، أعداء الإسلام، أعداء الإنسانية، الذين هم يتحركون بكل شرهم وطغيانهم وإجرامهم، تجاه ما يفعلونه من جرائم، ما يرتكبونه من أبشع وأفظع الجرائم، جرائم القتل، وانتهاك الأعراض، واحتلال الأوطان، ونهب الثروات، ونشر الضلال، والطمس للهوية الإسلامية… وغير ذلك من جرائمهم الشاملة والواسعة، يجب أن يكون هناك صوتٌ للبراءة منهم ومما يفعلون، وأن يكون هناك مباينةٌ لهم ولتوجههم الذي يسعون إلى فرضه على أمتنا الإسلامية، وإلى أن يصبح حالةً سائدة في كل بلاد المسلمين.
من جانبٍ آخر له أهميته الكبيرة في التصدي لثقافات ومفاهيم خطيرة يريد الأعداء أن تترسخ في الساحة الإسلامية والعربية، فأتى هذا الشعار ليواجه تلك المفاهيم الخاطئة، وليرسِّخ المفاهيم الأصيلة، التي تعبِّر عن الموقف الحق، وتعبِّر عن الوعي تجاه الأعداء، وتجاه مؤامراتهم.
ثم هو يرتقي بالأمة، يرتقي بمن يتحركون على أساسه إلى المواقف الأخرى المطلوبة في إطار التصدي لمؤامرات الأعداء، والتصدي للأعداء في كل مخططاتهم التي يتحركون بها لاستهداف الأمة.
أمَّا لماذا هذا الأسلوب؟ لماذا هذه الطريقة؟ لماذا يُقَابَل التحرك الأمريكي والإسرائيلي والغربي بهذه الطريقة: شعار، مقاطعة للبضائع، نشاط توعوي في الساحة، وصولاً إلى مراحل عملية أخرى أكبر من ذلك؟
كان البعض في تلك المراحل يطرحون خيارات أخرى، مثلاً البعض طرحوا خيار الصمت والسكوت، البعض كان توجههم نحو أن يقفوا في صف الأعداء، وأن يتجهوا للولاء للأعداء، وأن يقفوا مع أمريكا وإسرائيل، وأن يسارعوا فيهم، والبعض كان لديهم توجه أو مقترحات، حتى البعض في السلطة آنذاك ممن لهم موقف موالٍ لأمريكا، أنه: [لماذا لا تتركوا هذا التوجه بهذه الطريقة، هذا العمل الجماهيري والشعبي بهذه الطريقة، وبهذا الأسلوب، وتتحركوا وفق أسلوب القاعدة مثلاً، تتجهون بطريقة معينة، وتركِّزون على أن تخطفوا من السياح الأمريكيين، السواح الذين يأتون للسياحة في البلد أو الغربيين وتفعلون كما تفعل القاعدة]!
عندما نتحدث عن اختيار هذا الأسلوب وهذه الطريقة التي تتجه أولاً إلى تحصين مجتمعنا المسلم من الداخل، إلى رفع مستوى الوعي لديه، إلى الدفع به لموقفٍ جماهيريٍ واسع، إلى أن يكون له صوتٌ وموقفٌ واسع، فهذا أولاً هو اختيار للطريقة القرآنية التي أرشد الله إليها في القرآن الكريم، يعني: هي منهجية القرآن، والتحرك في هذا المشروع كان على أساس الاهتداء بالقرآن الكريم، والاستفادة من القرآن الكريم؛ لأن حديث القرآن الكريم عن أعداء المسلمين، عن أعداء الأمة، هو حديثٌ واسع، هو حدد منهم الأعداء، ما هي أساليبهم، ما هي أهدافهم، ما هي الطريقة الصحيحة للتصدي لهم، فحديث القرآن الكريم حديثٌ واسع عن أعداء هذه الأمة، وشَخَّص اليهود؛ باعتبارهم العدو رقم واحد للمسلمين، وأنهم سيبقون هم العدو رقم واحد للمسلمين فيما بقي من مراحل التاريخ بكلها، ثم من يقف في صفهم، من يكون معهم من النصارى، ومن يواليهم حتى من المسلمين، سيكون منهم، {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: من الآية51]، يمثِّلون مصدر الشر والتهديد والخطر، ومنبع المؤامرات ضد المسلمين، وضد الإسلام والمسلمين، وأن هذه حالة تستمر فيما بقي من التاريخ.
والقرآن الكريم من أهم ما ركَّز عليه وهو يخاطب الذين آمنوا، يخاطب المسلمين، يخاطب المنتمين لهذا الدين، أن يحذروا من الولاء لهم، ويقدم تعبئة عدائية، يتحدث عن أولئك أنهم أعداء، يحذِّر منهم تحذيراً واسعاً، يحذِّر من الموالاة لهم، يؤكِّد على أنهم يسعون لأن يستقطبوا أبناء هذه الأمة ليكونوا موالين لهم، وأن يطوِّعوهم ليكونوا مطيعين لهم، وأنهم يعملون على إضلال أبناء هذه الأمة، وأنهم يسعون إلى أن يردوا الذين آمنوا بعد إيمانهم كافرين… وهكذا تأتي الآيات القرآنية في حديثٍ واسع لتحذر من الموالاة لهم، إلى درجة أن يقول الله محذراً بأشد عبارات التحذير: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، يأتي ليقول في القرآن الكريم: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران: من الآية100]، فهو يحذِّر من الموالاة لهم، يحذِّر من طاعتهم؛ لأنه يعلم أن أسلوبهم في استهداف هذه الأمة، ليس فقط بالحرب العسكرية، والاستهداف الأمني، والاستهداف القتالي، بل هو استهداف يحوِّل هذه الأمة إلى أمة موالية لهم، مطيعة لهم، تقف في صفهم، تُستَغل بكل إمكاناتها وثرواتها لمصلحتهم، فكيف تواجه هذا الأسلوب الاستقطابي، الذي يهدف إلى تحويل الأمة إلى أمة موالية لهم، وإلى أمة مطيعة لهم، تُطَوَّع لهم؛ حتى تتحول إلى أمة تتجه لتنفيذ مؤامراتهم، لتنفيذ توجهاتهم، يتحولون هم من يرسمون لهذه الأمة السياسات، المواقف، التوجهات، يستغلونها كما يشاؤون ويريدون، هذا يقابله الأسلوب القرآني في تحصين الأمة، في تعبئتها من الداخل لتكون أمة تتعامل معهم كأعداء، تنظر إليهم كأعداء، وتتعامل معهم كأعداء، تواجههم، تتصدى لمؤامراتهم، تكون في حالةٍ من اليقظة والانتباه تجاه مختلف مؤامراتهم، وتسعى إلى منع كل نفوذهم في داخلها، واختراقهم لها من الداخل، هذا يحتاج إلى تعبئة واسعة، التعبئة هذه هل تبنى على السكوت، على الصمت، على ألا تقول عنهم ولا كلمة واحدة، أم على أن يكون هناك موقف، من خلال هذا الموقف يصحبه حالة من التوعية النشطة في الساحة، حالة من التذكير للناس بآيات الله “سبحانه وتعالى”، فهي منهجية قرآنية، هذه المنهجية التي تعتمد على رفع مستوى الوعي لدى الناس تجاه العدو، وعلى أن ينظروا إليه كعدو، وعلى أن يتجهوا ليعبِّروا عن عدائهم له، وبراءتهم منه، وتحصين أنفسهم من الداخل.
ثم حتى لا تكون هذه الساحة من الداخل ساحة راكدة، جامدة، وبيئة خصبة لذلك الاستقطاب لصالح الأعداء، بل بيئة معادية، بيئة الأمة فيها تعبِّر عن عدائها لأعدائها، عن موقفها من أعدائها، هذا يصعِّب حالة الاستقطاب من الداخل، حالة العمالة من الداخل لتكون حالة ممقوتة، مرفوضة في أوساط المجتمع، ولا تكون حالةً عادية، وحالةً مقبولة في أوساط المسلمين.
ثم في مواجهة حملات التضليل بكل أنواعه، التضليل على المستوى السياسي، بعناوينه المتنوعة والمخادعة، وعلى المستوى الثقافي، وعلى المستوى الفكري… على كل المستويات، في النشاط الإعلامي والدعائي، الأمة بحاجة إلى أن تتحلى بالوعي إلى درجةٍ عالية، أن تكون الأمة في موقف هي في حالة يقظة، وانتباه، ونظرة صحيحة لمعرفة أعدائها، ومؤامراتهم، ومخططاتهم، وفي حالة تعبئة واستنفار، وفي حالة اهتمام واستعداد، وفي حالة توجه عملي؛ لأن الشعار لا يعني ذلك أن نقتصر عليه فحسب، هو عنوان يعبِّر عن توجه، نتحرك في إطار ذلك التوجه تحركاً واسعاً في كل المجالات، في كل المجالات بكل ما تعنيه الكلمة، لبناء أنفسنا كأمةٍ تواجه تلك التحديات والأخطار، تبني نفسها عسكرياً واقتصادياً… وفي كل المجالات، تتجه بمشروعٍ حضاري يعبِّر عن هويتها الإسلامية، يُبنَى على أساسٍ من انتمائها الإسلامي، فهو مشروعٌ واسع، وتحركٌ حكيم، وتحركٌ واسع.
والتحرك الجماهيري الواسع له أهمية كبيرة عند الأعداء، الدور المطلوب للشعوب بمستوى التحديات من جهة، تحديات كبيرة، لا يكفي أن يكون التحرك فيها منحصراً ومحدوداً على نشاطٍ محدود، ذو طبيعة عسكرية أو أمنية، أو بطريقة خاطئة تخدم الأعداء، وتشوه الإسلام، كمثل ما تفعله القاعدة، التي يرغب الأمريكيون أن يكون الأسلوب في مواجهتهم والتحرك باسم أنه تحرك ضدهم، وإلا فهو تحرك في إطارهم ويخدمهم، وهم يدعمونه، وهم يحتوونه، وهم يخططون له، وهم يحركونه كما يشاؤون ويريدون هنا وهناك، في الوقت والزمان والمكان الذي يرغبون به، والذي يخدم مؤامراتهم، لكن التحرك الصحيح هو التحرك الذي يزعجهم.
الشعوب عندما تتحرك بشكلٍ واسع، بشكلٍ جماهيري، هذا أمرٌ مهم بالنظر إلى حجم التحديات، ومستوى الاستهداف، وأيضاً بالنسبة إلى طبيعة الصراع، الذي هو صراع شامل؛ لأن الأمريكي يتحرك أيضاً تحت عناوين، ويصطنع الذرائع من أجل أن يتحرك بشكلٍ واسع وفي كل المجالات.
فالأسلوب هو أولاً منهجيةٌ قرآنية، وهو الأسلوب المطلوب في مقابل حجم الاستهداف، وطبيعة الصراع من جانب، وأيضاً هو يرتقي بالأمة إلى مستوى أكبر، إلى مستوى المواقف المطلوبة لمواجهة التحديات في كل المجالات حتى في المجال العسكري، وهذا ما تجلى يعني في كل هذه السنوات، وهو واضحٌ تماماً.
أيضاً هذا التحرك الحكيم هو يكشف زيف الأعداء، ويُسقِط العناوين التي يخادعون بها الأمة، عندما انطلق هذا الشعار بهذه الطريقة: هتاف، ومقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، ونشاط توعوي في أوساط الأمة، نشاط للتوعية التثقيفية في أوساط الأمة، واجهوه، وهم كانوا يحملون عنوان حرية الكلمة، عنوان الديمقراطية، عنوان السماح بالمعتقد والتعبير، فلم يطيقوا ذلك، وعارضوا ذلك، وحاربوا ذلك أشد المحاربة، وتجلى زيفهم، وسقطت عناوينهم المخادعة.
بالنسبة لردة الفعل تجاه هذا المشروع منذ انطلاقته، وردة الفعل تجاه الأحداث بشكلٍ عام، بما في ذلك تحرك الأعداء من جهة على المستوى الشامل، كما تحدثنا عنه في بداية الحديث، هناك من أبناء أمتنا من يتبنى السكوت والاستسلام، بمعنى: أنَّ رؤيتهم تجاه ما يتحرك به الأعداء على كل المستويات، حتى عندما انطلقوا بكل وضوح لاحتلال البلدان، وعندما كانوا يعبِّرون عن عدائهم للإسلام والمسلمين بكل أشكال التعبير، البعض كانت رؤيته في أنَّ على الجميع أن يسكت وأن يستسلم، وهذه رؤية سخيفة بكل ما تعنيه الكلمة، والدافع لديها الخوف من جهة، خوف شديد من جانب الأعداء، ويأس، يأس حتى بانعدام الثقة بالله “جلَّ شأنه”، وفي جانبٍ آخر انعدام بصيرة، يعني: ليس هناك وعي عما يمكن أن يعمله الناس، أن يتحرك فيه الناس، أن تنطلق فيه الأمة لمواجهة التحديات والأخطار، فالبعض كانوا ولا يزالون يتبنون السكوت والجمود والاستسلام، وألَّا تتحرك الأمة بأي شكلٍ من الأشكال، ولو بمستوى الكلام، ولو بمستوى التعبير تجاه الخطر الأمريكي والإسرائيلي، وما يعمله أعداء الأمة، وما يستهدفون به الأمة.
البعض اتجهوا- وبالذات على المستوى الرسمي بالدرجة الأولى– اتجهوا إلى صف الأعداء، وتحركوا للعمل في خدمتهم، وتنفيذ مؤامراتهم، وهذا ما حصل، في الواقع اليمني مثلاً من بعدما يقارب العام، أو أقل من العام، انزعجت السفارة الأمريكية في صنعاء انزعاجاً شديداً من هذا المشروع، وأبدى السفير الأمريكي انزعاجه الشديد من الشعار، والنشاط الذي يصاحبه على مستوى التثقيف بالثقافة القرآنية، ونشر الوعي، وعلى مستوى دعوة الناس إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، فتحرك السفير الأمريكي وتحركت السفارة الأمريكية في صنعاء للدفع بالسلطة إلى مواجهة هذا المشروع، وإلى منع الهتاف بهذا الشعار، وإلى إيقاف هذه الصرخة، فبدأت المضايقات بأشكال كثيرة، وبدأت حملات الاعتقال لمن يهتف بهذا الشعار، وتحركت السلطة على مستوى جامع الإمام الهادي في صعدة لاعتقال من يهتفون بهذا الشعار في الجامع، ثم أيضاً في الجامع الكبير بصنعاء، حملات أسبوعية لاعتقال من يهتف بهذا الشعار، وإيداعه في سجن الأمن السياسي، وكانت الاعتقالات لمن يهتف بهذا الشعار تتم بقسوة بالغة، مصحوبةً بالضرب الشديد والمبرح، حتى يغرق البعض في دمائه؛ لأنه هتف بهذا الشعار فقط، ثم يسحبون بعنف شديد، ويذهبون بهم إلى سجون الأمن السياسي، وهناك التحقيقات بطريقة فيها اضطهاد، وفيها ظلم، وتستمر حالة التحقيقات والتعذيب والاضطهاد والإيداع في السجن بمعاملة قاسية وسلبية جدًّا، والسفير الأمريكي والسفارة الأمريكية بشكل عام تتابع هذه التحركات من جانب السلطة، واستمرت حملات الاعتقال حتى امتلأت سجون الأمن السياسي بالمعتقلين ممن يهتفون بهذا الشعار، مع أنهم يمتلكون الحق الشرعي، والقانوني، والدستوري، ويعبِّرون بطريقة سلمية بهذا الشعار، ومع ذلك لم يشفع لهم ذلك في أن يتركوا لهم المجال أبداً، استمرت حملات الاعتقال بشكل مكثف، والضغوط بشكل مكثف، والمحاربة الدعائية لهذا العمل بشكلٍ مكثف، وتوسعت دائرة المضايقات لتشمل قطع المرتبات على الموظفين الذين يتوجهون هذا التوجه، وأيضاً البعض فصلوا من وظائفهم، منع الهتاف به أيضاً في المدارس الرسمية، وأصبحت هناك مضايقات واسعة، وأصبح الموقف الرسمي واضحاً في أنه يتجه ضد أن يكون هناك موقف شعبي، حتى وفق هذه الطريقة السلمية القانونية، التي ليس هناك أي مبرر لا للأمريكي ولا للسلطة في منعها ومحاربتها.
بعد أن امتلأت سجون الأمن السياسي بالمعتقلين، واتضح أنَّ حملات الاعتقال، والاضطهاد، والمضايقات، وفصل الموظفين، وقطع المرتبات، والاستهداف بالحملات الدعائية، لن توقف هذا الصوت أبداً، اتجهوا إلى مرحلة جديدة لمحاربة هذا التوجه، ومنع هذا العمل، وفرض حالة السكوت والصمت في الساحة، ومنع أي نشاط يعيق المؤامرات الأمريكية، والتحرك الأمريكي واليهودي الصهيوني، اتجهوا إلى الحروب العسكرية، فبدأوا بحملاتهم العسكرية، وفتحوا حرباً عسكريةً شاملة، هي الحرب الأولى، في عام 2004، حرب استهدفت السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه”، ومن معه في ضمن هذا التوجه في عدة مناطق، وكانت حرباً شرسة، استخدمت فيها السلطة- آنذاك- كل ما بيدها من إمكانات عسكرية، السلاح الجوي، والسلاح البري، والقوة العسكرية بكل عتادها وإمكاناتها، وبكل قسوةٍ، وبكل بطشٍ وجبروت، وفعلوا ما فعلوه في الحرب الأولى من تدميرٍ كلي لمعظم القرى في المناطق المستهدفة، ولقتل الأهالي، ولتشريد الناس، وللحصار الشديد جدًّا، مع أنه لم يكن لهم من مبرر لذلك أبداً، لا بحسب القانون، ولا الدستور، ولا القرآن… ولا بأي اعتبار، وكان توجههم فقط لخدمة أمريكا وإسرائيل، ولاسترضاء الأمريكيين، والأمريكي يشجع على ذلك، ويحرض على ذلك، ويتابع مجريات الأحداث، ويشرف على مجريات الأحداث من هناك، بل ويدعوا الكل إلى أن يقفوا هذا الموقف بحق من يهتفون بهذه الصرخة، ويتوجهون هذا التوجه في مقابل استهداف الأمة الإسلامية من جانب أعدائها.
ما بعد الجولة الأولى أتت الجولة الثانية للحرب، واستمرت جولات الحرب الشاملة لست جولات، من عام 2004، إلى عام 2010م، ست جولات التي هي عبارة عن حرب شاملة، وتخللها حروب جزئية أكثر من عشرين حرباً، حرب هنا، أو حرب هناك، بشكلٍ أو بآخر، بمستوى، أو بمستوى أكبر، أكثر من عشرين حرباً تخللت الحروب الست، الجولات الست، وفي أكثر الأحوال لم يكد يستتب السلام، أو تتوقف الحرب لعامٍ كامل؛ إنما لأشهر قليلة حتى تأتي حرب أخرى وعدوان آخر.
كل ذلك يهدف إلى التنكيل بمن يتبنى هذا الموقف، وإلى إسكات هذا الصوت بشكلٍ نهائي، وإلى منع هذا التوجه بشكلٍ تام، حتى لا يكون هناك أي توجه يعارض أو يقف بوجه الاستهداف الأمريكي والإسرائيلي ضد أمتنا، ولا بمستوى الكلام، ولا بمستوى التعبير، ولا بمستوى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، يعني: تعنت، وسطوة، وجبروت إلى حدٍ عجيب.
تلك الحروب التي شجعت عليها أمريكا من بدايتها، واستمرت في تشجيعها وتبنيها، وقدَّمت لها الغطاء السياسي، وأوعزت للسلطة في كل تلك المراحل، وفي كل تلك الجولات، إلى أن تفعل ما تشاء وتريد، من بطش، وجبروت، وانتهاك لحقوق الإنسان، وارتكاب أبشع الجرائم، وقتل الأطفال والنساء، واستهداف القرى بشكلٍ كامل، وتشريد أهلها، وإبادة الناس بشكلٍ جماعي، جرائم مروعة جدًّا، في كل تلك المراحل كانت أمريكا تقدم الغطاء لكل ذلك، وتشجع السلطة فيما تفعله، وهي كانت تندفع أكثر وأكثر؛ بهدف استرضاء أمريكا، بل والتودد إلى إسرائيل، في مراحل كان هناك وضوح في طبيعة التودد إلى إسرائيل.
كل تلك الحروب كانت تهدف إلى أن تبقى الساحة ساحة مفتوحة أمام الأمريكيين، والإسرائيليين، والغرب، بدون أي عائق، حتى الصوت الذي يعارض ما يفعلونه، وما يخططون له، وما يتآمرون به.
خلال كل تلك المراحل وإلى اليوم فشلت تلك الحروب، هناك الكثير من الدروس، والكثير من العبر، والكثير من الحقائق التي تجلت على مستوى البلد، أو على المستوى الإقليمي، فيما يحدث في المنطقة بشكلٍ عام، طبعاً في الحرب السادسة، في أواخر 2009، و2010، بداية 2010 تدخل النظام السعودي واشترك مع النظام اليمني، مع السلطة اليمنية آنذاك، واشترك كلاهما في الحرب، وكلاهما آنذاك تعاون بهدف أن يتمكنوا من حسم المعركة بشكلٍ نهائي، ولكنهم فشلوا.
من بداية الأحداث كان التحرك بإمكانات بسيطة جدًّا، ولم يكن تحركنا في هذه المسيرة من بداية انطلاقتها، منذ الصرخة التي أطلقها السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه”، يستند إلى أي دعمٍ خارجي، ولم يكن له أي ارتباط خارجي، بالرغم من أننا نتبنى موقفنا بشكلٍ واضح فيما يتعلق بأمتنا الإسلامية، بأحرارها، بشرفائها، بقضيتها المركزية، بالإشادة بمواقف الأحرار فيها، باعتبار أن الجميع يجب أن يقف موقفاً واحداً، وأن يتعاون الجميع، لكن المسألة كانت بدافع المسؤولية، باستشعار المسؤولية أمام الله “سبحانه وتعالى”، من منطلقٍ إيماني، ومنطلقٍ واعٍ بطبيعة الظروف والأحداث، وكانت عملية التصدي لكل تلك الاعتداءات من جانب السلطة تتم بالاعتماد على الله “سبحانه وتعالى”، وبجهود متواضعة للغاية، بالإمكانات المتوفرة الشعبية، التي هي موجودة لدى أبناء هذا الشعب، وبمعاناة كبيرة، وبمظلومية كبيرة جدًّا، تفاصيلها كثيرة، وموثقة، والبعض منها أصبح معروفاً خلال تلك المراحل، أو تحدثت عنه بعض وسائل الإعلام، ولا يزال بالإمكان أن يتجلى، وأن يظهر، وأن يتم تقديمه، ليعرف به الجميع؛ لأن الحرب آنذاك وفي تلك المراحل كان يصحبها تعتيم إعلامي كبير إلى درجة عجيبة.
على العموم بعد كل تلك المراحل وإلى اليوم هناك الكثير من الدروس والعبر:
أولاً: السياسة التي تبنت دعم الموقف الأمريكي، ومناصرة الموقف الأمريكي، والوقوف في الصف الأمريكي، فشلت، فشلت في اتجاهين، فشلت في مواجهة الموقف الحق، هذا التوجه الصحيح، الذي ننطلق فيه في مسيرتنا القرآنية بالاستناد إلى هدى الله “سبحانه وتعالى”، بالاستناد إلى إيماننا، إلى الحق الواضح، إلى الموقف الصحيح بكل ما تعنيه الكلمة، فهم فشلوا في إسكات هذا الصوت، في إيقاف هذا العمل، من واقعٍ كانوا يواجهوننا فيه، ونحن في غاية الاستضعاف، نتحرك على مستوى العدد مجاميع بسيطة، نسبة محدودة من أبناء هذا الشعب باتوا ينطلقون في إطار هذا التوجه، وهم- آنذاك- يعتقلون حتى الأطفال، إذا شاهدوا معه في ملابسه، أو ميدالية فيها الشعار، أو ملصق فيه الشعار، يعتقلونه؛ أما الكبار فيقتلونهم، كانوا يقتلون على الهتاف بهذا الشعار، أو على حمل ملصقاته، في النقاط، في الأسواق، كانوا يقتلون، وهناك حوادث كثيرة حصلت، بمجرد أن كانوا يشاهدون البعض ومعه ملصق الشعار كانوا يباشرون بقتله وإعدامه، جرائم كثيرة، اعتداءات كثيرة جدًّا.
على كُلٍّ نلحظ فيما يتعلق بالطريقة التي اعتمدتها السلطة في مواجهة هذا المشروع العظيم، في مواجهة هذه المسيرة المباركة، هي فشلت وفشلها أصبح واضحاً، ثم هي لم تحصل على ما كانت تؤمِّل فيه، بولائها لأمريكا، بتوددها إلى إسرائيل، بانتهاجها المنهجية الخاطئة، هي فشلت، سياسة الاسترضاء كنا نقول منذ البداية أنها سياسة فاشلة، الله “سبحانه وتعالى” يقول في القرآن الكريم: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة: من الآية120].
فسياسة الاسترضاء هي سياسة فاشلة، خاطئة، لا يمكن أن تحقق النتائج لمن يعتمد عليها من أبناء هذه الأمة، والعاقبة الحتمية لمن ينتهج ذلك النهج الخاطئ هي الخسران، كنتيجة حتمية، ومؤكد أنها نتيجة حتمية، الله قال في القرآن الكريم: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}[المائدة: 52-53]، فالخسران والندم هي العاقبة الحتمية لمن يسارع في موالاة أعداء الأمة، وسياسة الاسترضاء لن تجدي شيئاً، هي تمكِّن الأعداء من استغلال من يتوجه ذلك التوجه المنحرف، الله قال في القرآن الكريم: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة: من الآية120]، فالذين يتجهون الاتجاه الخاطئ، هم يمكِّنون الأعداء من استغلالهم إلى أقصى حد، استغلالهم عسكرياً ومادياً، اقتصادياً، إعلامياً، استغلالهم بشكلٍ كامل، لكن في نهاية المطاف هم يتآمرون عليهم، في الوقت الذي يرون فيه أن مصلحتهم تقتضي ذلك، ولا يقدرون لهم أي جميل؛ لأنهم يتعاملون معهم ليس كأصدقاء بما تعنيه الكلمة، وإنما كمستغلين، يستغلونهم وفق ما يرغبون به.
وهذا تجلى بالنسبة للسلطة في المراحل الماضية بكلها، اتضح ذلك بشكلٍ كبير، عندما كانت عواقب الأمر أن يتخلون عن كل من يقدم لهم الخدمات الكبيرة، ويقف في صفهم، ويعمل لهم الشيء الكثير، فإذا بهم في نهاية المطاف يتخلون عنه حين يرون مصلحتهم في التخلي عنه، لا يترددون في ذلك، ولا يتعاملون بوفاء، أيضاً تجلى الأثر الإيجابي لهذا المشروع القرآني فيمن يحملونه، على مستوى الوعي، على مستوى الصمود، على مستوى التضحية، على مستوى العطاء والثبات والاستمرارية، على مستوى الثقة بالله “سبحانه وتعالى”، والاعتماد على الله “جلَّ شأنه”، والاعتماد على تأييده ومعونته ونصره “سبحانه وتعالى”.
في المرحلة الراهنة تجلَّت الكثير من الحقائق حتى على المستوى الإقليمي، أصبح الكثير من الأنظمة يتجه بشكلٍ علنيٍ وواضح لموالاة إسرائيل، والتحالف مع العدو الإسرائيلي، والشراكة مع العدو الإسرائيلي في كل شيء، في الموقف على المستوى السياسي والإعلامي، في الدعم المادي والشراكة الاقتصادية، في السعي أيضاً إلى استغلال بعض العناوين الدينية بتضليلٍ خطير وافتراءٍ على الله “سبحانه وتعالى”، لتبرير ذلك التعاون وتلك الشراكة فيما بينهم وبين العدو الإسرائيلي، فيوظفون أيضاً العناوين الدينية، لتخدم توجههم المنحرف، المنحرف بكل الاعتبارات، المنحرف بالاعتبار الديني وغيره، وأصبحوا يتنكرون لكل شيء، للحقائق الثابتة، لما كانوا يعترفون به سابقاً أن العدو الإسرائيلي هو عدو للأمة، وأنه مبطل، أنه على باطل، أنه في الموقف الظالم، وفي الموقف الخاطئ، في الموقف الذي يظلم به أبناء الأمة، وأن الحق في هذا الصراع هو لهذه الأمة، وللشعب الفلسطيني، للمسلمين ولشعب فلسطين، أصبحوا يتنكرون لكل هذه الحقائق التي كانوا يعترفون بها سابقاً.
ثم يتجاهلون كل ما يصدر من جانب الأعداء، الأعداء وهم يتحركون بشكلٍ عدائي ضد الإسلام والمسلمين، سواءً الأمريكي والإسرائيلي، أو اللوبي الصهيوني، الذي يتحرك على نطاقٍ واسع، بدءاً من نشاطه الواسع في الغرب بشكلٍ عام، في أمريكا وأوروبا، وعلى نحوٍ واسع في عدة بلدان ودول، وهو يتحرك بشكلٍ يظهر فيه عداءه الشديد للإسلام، حرق للمصاحف، لكتاب الله، لأقدس مقدسات المسلمين، وتتكرر مثل هذه المواقف في بلدان متعددة، ووراءها كلها العدو الصهيوني، السب والشتم للرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، والإساءة إليه، أعظم رمزٍ للإسلام والمسلمين، أعظم رمزٍ إسلامي، يتعرض للسب والشتم حتى من قبل الصهاينة، حتى وهم يرقصون في ساحات وباحات المسجد الأقصى، وهم يطلقون مثل هذه الإساءات التي يوجهونها إلى الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، جرائم الاعتداءات بحق أبناء هذه الأمة، من قتل، من اعتداءاتٍ متنوعة، ما يفعلونه ويرتكبونه من الجرائم يومياً في فلسطين، بحق الشعب الفلسطيني، الذي هو جزءٌ من هذه الأمة، تهديدهم للمقدسات وللأقصى الشريف، الذي هو من أهم المقدسات الإسلامية، كل ما يحدث من جانب الأعداء يتجاهلونه تماماً، ويواصلون نشاطهم يوماً بعد يوم، الذي يظهر إلى العلن بشكل شراكة مفتوحة مع العدو الإسرائيلي، وتعاون معه وكأنه صديقٌ حميم، وكأنه وليٌ حميم، ما يحقق فعلاً فيما يفعلونه الموالاة بكل ما تعنيه الكلمة، أنهم يتولونه، يتخذونهم أولياء بكل ما تعنيه الكلمة، وهذا هو النفاق الذي حذَّر الله منه في القرآن الكريم، يشتركون معهم في المؤامرات ضد أبناء الأمة، يتبنون نفس الموقف الإسرائيلي المعادي للمجاهدين في فلسطين، نفس التعبير الإسرائيلي والتوصيفات الإسرائيلية بحقهم، يسمونهم بالإرهابيين، يسيئون إليهم، يستهدفون العمل على تشويههم إعلامياً، كذلك المجاهدين في لبنان، المجاهدين من أبناء هذه الأمة، الأحرار من أبناء هذه الأمة، يتبنون نفس الموقف الإسرائيلي تجاههم، حتى نفس المصطلحات الإسرائيلية يتبنونها في إعلامهم، وفي نشاطهم الدعائي، على مستوى العمل على توجيه بوصلة العداء إلى داخل هذه الأمة، تحت عناوين طائفية، أو عناوين سياسية، بدلاً عن العداء لأعداء الأمة الحقيقيين، يعملون على هذا بكل جهد، وبشكلٍ مكثف، وبشكلٍ مستمر، يشتركون مع العدو الإسرائيلي في كثيرٍ من المؤامرات، التي تتجلى بعضها، وتظهر بعضها للعلن، وبعضها يبقى في الخفاء، ولكنه سيتضح فيما بعد.
يتبين أهمية أن يكون هناك عمل، لتحصين الساحة الداخلية من حالة الاختراق والولاء لأعداء الإسلام والمسلمين؛ لأن أولئك الذين يتجهون ذلك الاتجاه المنحرف في الولاء لأمريكا وإسرائيل، هم يعملون على أن يوسعوا دائرة الاستقطاب للخيانة والعمالة في أوساط الأمة، على المستوى الرسمي والشعبي، يحاولون أن يستقطبوا المزيد من الأنظمة والحكومات، لتعلن تطبيعها كما يعبرون عنه، يعني: موالاتها لإسرائيل، والدخول في شراكة مع العدو الإسرائيلي، مع أن كل عملية شراكة مع العدو الإسرائيلي اقتصادياً، أو إعلامياً، أو أمنياً، أو عسكرياً، هي استهدافٌ للشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى، هي عملٌ عدائيٌ ضد الشعب الفلسطيني، كل ما يعملونه لمصلحة العدو الإسرائيلي هو ضد الشعب الفلسطيني، وهو يستهدف الشعب الفلسطيني، ويستهدف الأمة بشكلٍ عام؛ لأن العدو الإسرائيلي هو عدوٌ للأمة بكلها، وخطرٌ على الأمة بكلها، ويعملون على المستوى الشعبي، للاستقطاب الشعبي، وهذا واضح حتى في بلدانهم، في بلدانهم يشجعون أبناء شعوبهم، ويسعون لأن يدفعوا بالجميع نحو ذلك التوجه السيء والمنحرف.
من المعلوم والواضح في ساحتنا الإسلامية بشكلٍ عام أن الحق كل الحق هو: في أن يكون لنا موقفٌ صحيحٌ وصادق في أن نعادي أعداءنا الحقيقيين، أن نتصدى للمؤامرات الأمريكية والإسرائيلية، أن ننظر إلى العدو الإسرائيلي باعتباره عدو حقيقي، وعدو واضح.
ولذلك يتجلى في كل هذه المراحل، ومن خلال ما قد حصل من متغيرات، قيمة العمل في أوساط الشعوب، بترسيخ وتثبيت التوجه الصادق، والتوجه الصحيح، الذي ينسجم مع القرآن الكريم، ينسجم مع الانتماء الإسلامي، ينسجم مع المصلحة الحقيقية للأمة، الذي يحقق للأمة عزتها، وكرامتها، وفلاحها، واستقلالها، ويحصنها من أعدائها، ويبنيها لتكون في مستوى الموقف القوي لمواجهة التحديات والأخطار، وهو اتجاهٌ صحيحٌ، اتجاهٌ سليمٌ، اتجاهٌ ناجحٌ، اتجاهٌ منتصر، تجلى انتصاره، وهذه مسألة واضحة، ليس فقط في اليمن، كم تحققت من الانتصارات في فلسطين في مواجهة العدو الإسرائيلي، بالنسبة للبنان أيضاً، من جانب حزب الله والمقاومة اللبنانية، والأمل بالنسبة للمستقبل والنصر الموعود هو لعباد الله المستضعفين، الذين صدقوا مع الله، وكانوا أوفياء مع دينهم، مع أمتهم، وثابتين على الحق الواضح، الحق الصحيح، الحق الذي كان يعترف به حتى من تنكروا له فيما بعد.
فالصرخة التي أطلقها السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه”، بتاريخ السابع عشر، شهر واحد، ألفين واثنين للميلاد، بقيت إلى اليوم، وتعالت، وانتشرت، وسمع بها كل العالم، وكل الجهود من أجل إسكاتها فشلت، وكل المساعي من أجل منع هذا التوجه سقطت، وبقي هذا التوجه قائماً، هو بعد كل ما قد حاربوه أقوى، هو أكثر حضوراً اليوم من أي وقتٍ مضى، هو أقوى من كل مرحلةٍ قد مضت.
نحن نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يثبتنا في الاستمرار في السير على هذا الحق، وهذا النهج القويم، المستند إلى كتاب الله “سبحانه وتعالى”، وإلى الحقائق الثابتة والواضحة، والمبادئ الواضحة والثابتة.
ونسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه