حجة برس – وكالات :
«كأننا لم نغادر أواخر سنة 2010 وأوائل سنة 2011». هكذا لخَّصت صحيفة تونسية المشهد العام في مهد «الربيع العربي»، بعد خمسة أعوام على الثورة الشعبية التي أطاحت نظام زين العابدين بن علي، وعلى وقع انتفاضة شعبية متجددة في منطقة القصرين، حيث يشق الخوف من حصول انفجار اجتماعي طريقه، على خلفية الضغوط المعيشية الهائلة، التي فاقمت إحباط الشباب التونسي وغضبه.
وبعد ثلاثة أيام على بدء الاحتجاجات الشعبية التي تفجرت على اثر وفاة أحد العاطلين عن العمل، ويدعى رضا اليحياوي (28 عاماً) بصعقة كهربائية بعد تسلقه عمودا قرب مقر الوالي في القصرين احتجاجاً على سحب اسمه من قائمة توظيف في القطاع العام، اتسعت دائرة المواجهات إلى خارج تلك الولاية الفقيرة الواقعة في وسط تونس، وهي مرشحة للتصاعد في ظل الاحتقان الشعبي.
وصباح أمس، تجددت الاحتجاجات أمام مقر الوالي في القصرين حيث احتشد أكثر من ألف شخص.
ووسط حضور أمني كثيف، سعت غالبية المحتجين للحصول على معلومات حول سلسلة التدابير التي أعلن عنها المتحدث باسم الحكومة التونسية خالد شوكت لولاية القصرين، ومن بينها توظيف خمسة آلاف عاطل عن العمل ورصد 135 مليون دينار (65 مليون دولار) لبناء ألف وحدة سكنية.
وقال أحد المتظاهرين، ويدعى حسام الرحيلي (24 عاما): «نحن متواجدون هنا منذ السابعة صباحا، لكن أحدا من المسؤولين لم يخرج للحديث معنا حتى الآن. هذه وعود فارغة».
وقال متظاهر آخر وزوجته: «نحن مستعدون للعمل في مواقع البناء إذا ما لزم الأمر. فليخرج أحد ويكلمنا!»، منددين بـ «وضع لا يطاق».
وحاول أحد الشبان أن يرمي بنفسه من سطح مقر الولاية، قبل أن يتلقفه شبان آخرون.
وبدت آثار مواجهات الأيام الأخيرة واضحة في شوارع القصرين، من الإطارات المحترقة وبقايا قنابل الغاز والحجارة.
وأفادت وسائل إعلام رسمية وسكان محليون بأن الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين حاولوا اقتحام مبان حكومية محلية في بلدات أخرى هي جندوبة وباجة وسكرة وسيدي بو زيد، حيث ردد الشبان هتافات تطالب بوظائف وتهدد بثورة جديدة.
وقالت وزارة الداخلية إن محتجين أضرموا النار في نقطة شرطة في مدينة قبلي في جنوب تونس، وإن ضباط شرطة أخلوا نقطة أخرى في الكاف في شمال غرب البلاد.
وفي الليلة السابقة، أفادت مصادر أمنية بأن شرطياً، يبلغ من العمر 25 عاماً، توفي في بلدة فريانة التي تبعد نحو ثلاثين كيلومترا من القصرين، خلال تفريق تظاهرة، فيما أكد مصدر أمني أن آلية تابعة للشرطة انقلبت أثناء تفريق مسيرة.
وفي العاصمة التونسية، تظاهر نحو 150 شخصاً، أمس الأول، حاملين صورة الشاب رضا اليحياوي، ومطلقين هتاف «العمل حق».
وقرر رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد اختصار جولته الأوروبية والعودة سريعا إلى بلاده بسبب تصاعد وتيرة الاحتجاجات.
وقالت رئاسة الوزراء التونسية في بيان إن الصيد «قرر اختصار زيارته إلى الخارج والعودة» إلى تونس، مشيرة إلى أنه سيرأس، يوم غد، «اجتماعا استثنائيا لمجلس الوزراء»، وسيعقد أيضا مؤتمرا صحافيا.
وأعرب المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل عن «مساندته للمطالب المشروعة لمئات الآلاف من المهمَّشين والمعطَّلين»، داعياً الحكومة التونسية إلى «مزيد من البحث عن إجراءات عاجلة وعملية… ووضع حلول سريعة لأهمّ المشاكل المطروحة في هذه الجهات المحرومة، وفتح حوارات بنّاءة وجادّة للاستماع إلى مشاغل أهالينا في القصرين وفي غيرها من المناطق الدّاخلية المهمَّشة».
وأعادت تلك الأحداث الدرامية، وأعمال العنف التي رافقتها، إلى الأذهان بدايات الثورة التونسية في كانون الأول العام 2010، والتي احتفل التونسيون بذكراها يوم الخميس الماضي.
ولخصت صحيفة «الشروق» التونسية الانتفاضة الشعبية بعبارة: «كأننا لم نغادر أواخر سنة 2010 وأوائل سنة 2011». وفي إشارة إلى محمد البوعزيزي، البائع المتجوّل الذي أضرم النار في نفسه قبل ما يزيد قليلاً على خمسة أعوام، ليصبح رمزاً للشباب الطامح إلى العدالة الاجتماعية، كتبت الصحيفة التونسية: «من البوعزيزي إلى اليحياوي، تكررت الدوافع والأساليب، فهل ستتكرر النتائج؟».
وبرغم نجاح تونس في عملية الانتقال السياسي التي أعقبت انتفاضة العام 2011، لجهة إجراء انتخابات حرة ووضع دستور جديد، إلا أن التهميش الاجتماعي والتفاوت المناطقي لا يزالان قائمين في إطار تقلبات اقتصادية عميقة.
وذكرت صحف تونسية عدة أن هذه الاشتباكات تظهر «الواقع المخيف من غياب المساواة المناطقية».
وتقدر نسبة النمو في تونس في العام 2015 بأقل من واحد في المئة، متأثرا خصوصا بأزمة القطاع السياحي نتيجة انعدام الاستقرار والهجمات الإرهابية.
وتخطت نسبة البطالة على الصعيد الوطني 15 في المئة، وبلغت الضعف لدى حاملي الشهادات العليا.
ومع بداية العام الحالي، أجرى الحبيب الصيد تعديلا حكوميا، بعد عام من الحكم الذي اعتبر مخيبا للآمال.
وأقر رئيس البلاد الباجي قائد السبسي، أمس الأول، بأن «الحكومة الحالية ورثت وضعا صعبا للغاية حيث يوجد 700 ألف عاطل عن العمل بينهم 250 ألف شاب يحملون شهادات»، معتبرا أنه «لا يمكن حل مشاكل من هذا النوع بتصريحات أو بشحطة قلم… لا بد من الوقت».
ورأى رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمن الهذيلي أن أحداثا مماثلة «كانت متوقعة منذ فترة طويلة».
وأضاف: «لقد حذرنا من أن الوضع الاجتماعي سينفجر. الشعب انتظر، لكن الحكومة لا تملك رؤية ولا برنامجا للمناطق الداخلية».