فارس العلي
لم يعد احد موجود بشكل كافي في صعدة لإنتشال المصابين و جثث الأطفال والنساء والشيوخ ، يأتي من تبقى منهم من أقصى اطراف المديرية للقيام بهذا الدور الإنساني إذا ما جاءهم صاروخ وقنابل الحقدان العربي ، إذ ان نصيب هذه المحافظة صفر لدى منظمة الصليب والهلال الأحمر وباقي المنظمات الإنسانية التي تمارس هذا العمل العظيم، اتخيل احساس أحد الذين ما زالوا أحياء تحت الأنقاض يأمل وصول مغيث او منقذ، ينتظر …… ثم لا أحد !
بهذا المعنى بالغ الحسرة والألم يموت الضمير الوطني والإنساني، لقد دفعنا الحوثيين الى أن نقاسمه جرائم أخرى فأحببنا في غفلة لا إنسانية بحسابات هوجاء الإنتقام من صعدة كلها ، و بهذه الطريقة التنكرية المعيبة ، عشرات الآلاف أسرهم تحت قصف الانحطاط العربي يشوون اجسادهم ويقيمون مآدب العبث البربري ، ولا تجد هذه الضحايا ادنى واجب إنساني تجاه المصابين وجثثهم المتناثرة كحبات عنب صعدي ، في رأيي هذا الخذلان جريمة وطنية و انسانية لوحدها ، ثم نأمل ان تخرج لنا من صعدة اجيال صالحة لما بعد الحداثة ، لو كان هؤﻻء الصعديين ” معرعرين ” مثلنا ويملكون حسابات في شبكات التواصل الاجتماعي ، ولديهم نشطاء مدنيين ومؤسسات حقوقية واعلامية ونخب سياسية على قدر من علاقة عالمية لإيصال ما يتعرضون له بلغات العالم المختلفة لربما تغير الأمر.
حسنا ، لنعترف أنها أسر الحوثيين الذين يقاتلون في تعز ومأرب ومناطق يمنية أخرى و… وعلى الحدود اليمنية السعودية، لكن هل هناك قانون عالمي إنساني واحد يبيح قتل نساء واطفال وآباء “المتمردين ” العجزة ، أيضا نتذكر هنا أمر آخر علينا لفت الإنتباه اليه وهو : اولئك اﻵﻻف من الذين كانوا ضحايا ستة حروب ، لم ادخل ديوان او مقيل او اخرج شارع او أمر من صالة فندق في صعدة ، الا ورأيت أمامي حالة من ذوي الاحتياجات الخاصة ، إما مقطوعة رجله او يديه وفي بعض الأحيان معا .. وها هم يشهدون فصل ثان من فصول الدنائة السعودية وحليفاتها في وقت يتخلى اليمنيين للمرة … عنهم ، لا تضاء البيوت في بعض المديريات ولا يضرمون في مواقدهم نار ، ولو تحرك موتور فإنه سيطاله مباشرة القصف ! أي حصار عبثي همجي نازي يمكننا وصفه هنا، هيا يا نشطاء الضمير الانساني تنازلوا قليلا ، التفتوا ولو بشزر الى هؤﻻء المخذولين وستجدون الف سيناريو، وحكاية، ورواية وتقرير اخباري، ومفتتح قصيدة ،ومقاربات فكرية ،وفلسفية جديدة قادرة على إدانة القرن الواحد والعشرين.
ما هكذا كانت فكرة الإنسان الحضاري الحديث في أنسنة “الجهلة والمتمردين ” ؟! معليش ، لنقول أن مليون صعدي عبيدا للسيد ،الا يستحق العبد برنامج تضامن بقدر عالي من الإحساس الإنساني؟ أم أننا سنقول كما يردد البعض بتلك اللكنة : هؤﻻء عبيد سيد كهف مران ، فليموتواااا..! نحن نصنع نموذجنا الاسوء والأخطر على الاطلاق ، فقد وجدنا هؤﻻء بعد ست حروب عبثية يبتسمون لنا حد السذاجة ولم نرى منهم تقطيبة حاجب على سبيل اشتراكنا في نتائجها ، وكان علينا على الأقل التضامن السلمي بالكلمة ، باستثناء قلقة قليلة من الاقلام للحرة والشريفة والتي تمارس الآن نقدها بقوة ضد الحوثيين في الوقت الذي تجدها متضامنة – بين حين وآخر- ضد جرائم الإبادة التي تطالهم بطيران الإفك العربي ، حمل اليمنيين اسلحتهم وذهبوا لمقاتلتهم في عقر دارهم بدعاوي العبث التي اوصلت الوضع لما نحن وهم عليه .
هيا… يكفي تغليف مواقفنا واقلامنا و راياتنا واصواتنا ومحايداتنا بأغلفة الافلاس والنكران والتحاذق على قوم هم جزء أصيل من ضيمنا وتشنجاتنا ، جزء من القبيلي الصلف المقاتل في اعماقنا ، جزء هم من زمن نعيشه ونمارسه الآن بخفيه احيانا وفي اخرى ببجاحة شديدة الوضوح، في الحقيقة هم افضل منا بوضوحهم وهم لا يملكون سوى ما تفهمه لغة البنادق ، هل تعرفون لماذا ؟ لأننا اصلا لم نسمح لهم بأن يتعلموا عندما استحوذنا على مشاريع التنمية والتأهيل ، وحرمناهم من المنح الدراسية خارج البلد كيما يوازون الحياة بالطريقة التي نشعر أننا عليها بالقدر المدني التحديثي الكافي ، لو يريدون فتح هذا الحديث عن من صادر عليهم التنمية والتأهيل الشاملين ومشاريع الخدمات الأساسية ، التي كولسنا وشكلنا لها لوبيهات الإستئثار لأغرقونا بالحجج والبراهين القاطعة بالذنب الذي ارتكبناه في حقهم في العيش والحياة الكريمة والآمنة ، اليمن ترضخ تحت وطأة الحصار الخانق لكن كما قلت لكم ابناء صعدة لا يصل اليهم لا من صنعاء ولا من مناطق اخرى شيء للاستخدام المعيشي ، لقد اطفئوا كما علمتم النار في مواقدهم خوفا من الصاروخ الحراري الذي يقتفي روائح طعام نسائهم وأطفالهم ! ثم سنجيء غدا في حديث عن الملاطفة والمجانسة، والموائمة ، والحقوق، والحريات، ونسكب كل هذا تجاه الحوثيين الذين يقاتلون الآن كأي مليشيات في البلد ، قليلا من الحياء والعدل و التضامن الوطني ايها اليمنيين ، قبل أن نفقد الوطن صوابه وينفجربنا جميعا.
هادي وبحاح والحكومة لا تستحق أن نتذكرهم هنا لأنهم اقل من أن نرف لهم عين يمنية ، وبطريقة اخرى لأنهم ، لم يروا في مناطق كصعدة ومدن حجة التهامية والساحلية التي مسحتها صواريخهم الفسفورية والعنقودية وغيرها أي عناء وواجب وطني ، كان ولو من باب الإعلان ضمن المناطق المنكوبة على اقل احساس للشرعية تجاه من يسمونهم جزء من شعبهم اليمني ، هؤﻻء المناطقيين يريدون منهم الاعتراف بشرعية لا تأبه بهم وبما يعانون من ويل وليتهم كذلك فقط ، أنهم هم من جاءوا بكل هذا الويل حفاظا على مصالحهم ومفسداتهم .
ابناء صعدة اخوتنا اليمنيين المسلمين .. ولو انهم يهود لأستحقوا اكثر من التضامن معهم ، هؤﻻء الكرام ابناء الكرام ، بل إنهم أعز واشرف و أنبل البطون اليمنية ، كانوا يعرفون أننا لن نفعل شيئا تجاه معاناتهم اكتسبوا حدسهم هذا من خبرتنا في خذلانهم منذ وقت سابق ، هذا يفسر كثيرا التزامهم الموت بصمت وشجاعة نادرتين ، و امتناعهم عن المطالبة بأي تضامن او استجداء ، يعلمون تمام المعرفة أننا قد متنا قبلهم لكن بصورة يمنية مشوهة بالغة الأسف مزرية .
ما اغلاكم على قلبي يا ابناء صعدة .