نائب رئيس تحرير جريدة الاهرام المصرية ابراهيم سنجاب يكتب:كيف أصبحت الرياض أقرب من ذمار – عبدالملك الحوثي والذين معه (43)
في مسقط وفي الواحد والعشرين من سبتمبر 2021 يجرى وزير الخارجية العماني بن حمود البوسعيدي محادثات مع المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن هانز جروندبرج, وكذلك يجري مشاورات مع المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينج.
تشير الأنباء إلى تبادل وجهات النظر حول المساعي المبذولة لتأمين وقف إطلاق النار من قبل كافة الأطراف وتسهيل دخول المواد الإنسانية والدخول في عملية سياسية تحقق تطلعات الشعب اليمني في السلام والاستقرار والوحدة الوطنية. هكذا يقولون!
أما في القاهرة وفي الواحد والعشرين من سبتمبر 2021, فقد سمع محمد علي المقدشي وزير دفاع الشرعية الافتراضية يمنيا ودوليا من الرئيس عبد الفتاح السيسي تأكيدا على الموقف المصري الثابت بدعم جهود التوصل لحل سياسي شامل للأزمة اليمنية تتحقق معه طموحات الشعب اليمني، وتنفذ إرادته الحرة وينهي كافة التدخلات الخارجية في شأنه الداخلي ويحقق استقراره ووحدة أراضيه, والجديد فيما يتعلق بالقاهرة تحديدا أن البيان الرئاسي ذكر أن القاهرة لن تدخر جهدا لمساعدة اليمن الشقيق في بلوغ تلك الأهداف.
في صنعاء وفي الواحد والعشرين من سبتمبر 2021 احتشد الملايين في مناطق سيطرة سلطة العاصمة صنعاء تلبية لدعوة زعيم الثورة عبد الملك الحوثي للاحتفال بالذكرى السابعة لانتصار ثورة 21 سبتمبر 2014, الذي تعهد بمواصلة القتال حتى إجلاء آخر أجنبي وإبعاد المنافقين من المؤسسات الحكومية داعيا إلى رفد الجبهات.
في عدن والرياض وأبوظبي وفى الواحد والعشرين من سبتمبر 2021 يردد وزراء حكومة الشرعية الافتراضية يمنيا ودوليا ما سبق أن طالبوا به “عملية السلام تبدأ بالضغط على الميليشيات الحوثية لوقف عدوانها العسكري والقبول بوقف إطلاق النار”. فلينتظروا الضغوط !
هذه هي بعض ملامح الصورة اليمنية اليوم بعد 7 سنوات من ثورة 21 سبتمبر، وقبل تمام 7 سنوات من بداية الحرب على اليمن في مارس 2015.
المشهد مكتملا يدعو إلى التأمل وإجراء الحسابات، من ربح؟ من خسر؟ من حقق أهدافه ومن اكتشف أن أهدافه كانت سرابا؟ من بدل موقفه ومن لا يملك التبديل؟ كيف هي يمن اليوم محليا وإقليميا ودوليا؟ وما الذي ستكون عليه غدا في إطار معطيات 7 سنوات من الثورة والحرب والدم والارتزاق؟
عملاء للسعودية أم عليها؟!
في كلمته بمناسبة ذكرى الإمام زيد بن علي السجاد حفيد إمام المتقين سيدنا أمير المؤمنين علي الكرار, كان واضحاً أن تغيرا استراتيجيا قد طرأ على مسيرة المسيرة اليمنية, يبدو أن أنباء المباحثات الغير معلن عنها بين الحوثيين والسعودية قد وصلت إلى طريق مسدود, صواريخ صنعاء ومسيراتها وتحالفها مع طوق المقاومة وقفت عقبة أمام طموح المملكة لإنهاء هذه الحرب والخروج من المستنقع اليمني الذى انغرست فيه دون أن تتحسب لعواقبه, شجعها على الخوض فيه أنها لن تكون وحدها وأن الجاهزين لخدمتها دول ومنظمات وجيوش وخبراء, واعتقدت أن المطلوب منها لن يتخطى الضربات الجوية ودفع مليارات الدولارات.. تحقق ذلك بالفعل في الشهور الأولى للحرب على اليمن حيث كان مخططا أن تتوقف الحرب بمجرد إعلان إفلاس بنك الأهداف العسكرية بتدمير كل معسكرات الجيش اليمني.
ولكن كان لأنصار الله رأى آخر..
من نقطة الصفر انطلق مقاتلون في مقتبل العمر وألقوا أنفسهم وأجسادهم في أتون الحرب التي لا ترحم, بعضهم دافع عن مواقع يمنية في الداخل وأوقف تمدد الاحتلال والمرتزقة على أبواب الحديدة وصعدة، وبعضهم انطلق ليحرر الجوف والمحافظات الوسطى ويقف على أبواب مأرب, أما البقية فقد زحفت داخل الحد السعودي وأطلقت الباليستيات والمسيرات على الرياض و أبوظبي.
مع إشراقه كل شمس هناك جديد في يمن عبد الملك والذين معه, ومع دخول كل ليل يحن يمن الشرعية والذين يتاجرون بها إلى القديم.. كل جديد هو في صالح صنعاء، وكل قديم لن يفيد هادي, فالكلام ما زال للبندقية, والمكانة ترسم ملامحها الرصاصة.
بالدقيقة والساعة واليوم والشهر والسنة يعيش اليمنيون واقعا مؤلما بين الذين سلموا أنفسهم وبلدهم للخارج والذين يرغبون في محو عار الارتزاق والعمالة والخيانة عن تاريخ بلادهم، الملايين حوصروا وجاعوا ومرضوا وقتلوا لا لشيء إلا لأنهم يمنيون.
لا أحد يستوعب لماذا تستمر السعودية في حصار وقتل اليمنيين (سبع سنوات)، ولا أحد يعرف إلى متى ستستمر على هذه الحال وعلى ماذا ستنتهى؟ إذن من الذي خدع المملكة ويستمر في خداعها؟ أمريكا أم إسرائيل أم دول خليجية أم مرتزقة اليمن سكان الفنادق وكتائب الفيسبوك؟ أم هم كل هؤلاء؟
السلسلة طويلة ورغم أنها ليست معقدة, إلا أنه يمكن بترها بقرار من الرياض بوقف نزيف الخسائر, رغم أن الخروج من اليمن لم يعد كالدخول إليها.
الرياض أقرب من ذمار
وعلى المستوى الميداني وجبهات القتال المفتوحة, ما زال جيش صنعاء ولجانها الشعبية قادرون على التمدد والتقدم جنوبا وشرقا حتى وصلوا وأمنوا محافظة البيضاء وطردوا دواعشها وإرهابي القاعدة منها وهم بعض جند الشرعية الافتراضية التي يعترف العالم المقهور بالإرهاب بسبب أفكارهم وسلاحهم.
وما تزال صنعاء تمتلك القدرة على الحسم العسكري في أهم الجبهات مأرب، وفى أخطر الجبهات على الساحل الغربي. أما على مستوى اختراق الحد السعودي بريا وجويا فحدث ولا حرج, فصنعاء التي كانت قريبة في بداية العدوان أصبحت ترى الرياض وجيزان أقرب من ذمار وتعز, أما على مستوى العقيدة القتالية وسرعة الاستجابة لتكنولوجيا السلاح فإن صنعاء التي لا تنتج كل غذائها أصبحت تنتج كل سلاحها وتستطيع أن تهدد به وتتوقع نتائج عملياتها العسكرية قبل أن تبدأ.
ورغم آلام الحصار خاصة بالنسبة للأطفال والمرضى وطلاب العلم, فقد تمكنت صنعاء على مدى سنوات الصبر والصمود والألم أن توجد البدائل مهما تكن درجة كفايتها, بينما لم تتمكن السعودية أكبر مستورد للسلاح على وجه الأرض من إيجاد البدائل أمام مسيرات وصواريخ صنعاء التي تؤرق منام شعبها وتهدد مصالحها الاقتصادية, وتشعرها بالإهانة أمام هذا العدد القليل من مقاتلي اليمن.
في الخروج الكبير للاحتفال بذكرى 21 سبتمبر في محافظات أنصار الله وأحرار اليمن من الرسائل ما لن يستوعبه الآخر المعتدى أو المرتزق بالعدوان, وفي الخنوع لغرف الفنادق ومنتجعات العواصم رسائل يجب أن يستوعبها كل يمني. وملخص هذا وذاك, من أراد القتال فليأت إلى اليمن ومن أراد السلام فليعد إلى صنعاء, أما المنشورات واللجان الالكترونية والوطنية مقابل الدولار فهي حملات, وإن بدت قوية أحيانا إلا أن الواقع على الأرض يفرضه شباب من جنس آخر, يستطيع أن يحول ليل مدينة بأكملها إلى نهار بصرخة عزم واحدة.
*إبراهيم سنجاب – كاتب وصحفي مصري