ليس هناك أكثر دلالة على الإنسانية من نجدة مريض وإسعافه حين تفترض حالته ذلك، فكيف حين يكون الأمر التزاماً، كما هو بالنسبة للأمم المتحدة المعنية بالحفاظ على جملة القيم الإنسانية في مناطق الصراعات، والمعنية بالحفاظ على أمن وسلامة المدنيين في أوقات الحروب بغض النظر عن التوجهات والانتماءات، تسير وفق ما حددته المواثيق الدولية لتكون منحازة إلى السلام في أبلغ صوره ومظاهره.
تعرّى الأمر وانكشف زيفه في الوضع الذي تعيشه اليمن منذ أكثر من ستة أعوام، إذ ظهر النفاق واضحا في تعاطيها مع القضية الإنسانية في اليمن، انسلخت خلالها عن كل تلك الشعارات فتركت شعبا يموت إما بفعل القصف أو الحصار الخانق.
وساهمت الأمم المتحدة بشكل فاضح في كل مظاهر الانتهاكات لحقوق الإنسان التي مارستها قوى العدوان بلا أي مسوغ قانوني، فأي توجه كانت تنحاه هذه القوى كانت الأمم المتحدة داعما لتثبيته على أرض الواقع.. صمّت لذاتها عن سماع أنين الضحايا المدنيين وعصَبَتْ على عينيها من أن ترى أي مظهر إنساني بائس يلعن خداعها الشعوب وقبول كادرها من الأدعياء للإنسانية بتفاقم الكارثة بحق اليمنيين.
أكثر من خمسة أعوام، والأمم المتحدة ترى وتسمع تداعيات إغلاق مطار صنعاء على من هم بحاجة ماسة إلى السفر خارج البلد لكنها لم تفعل شيئا في الوقت الذي تحرص فيه كل حين على إطلاق نداء الاستغاثة للدول المانحة من أجل جمع المليارات من الدولارات لتوزيعها على منظماتها الفاسدة.
في غير مناشدة أطلقتها صنعاء للأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأن هناك آلاف المرض بحاجة للسفر لتلقي العلاج غير أن ذلك لم يحرك شيئاً في ضمير جعل من الحروب مصدراً للاستىرزاق.
مئات بل آلاف الرحلات تحط في مطار صنعاء الدولي تابعة للأمم المتحدة لم يكن فيها ما يعنى بنقل مرضى أي حساب، وآلاف المرضى قضوا بعد أن استفحلت وتفاقم وضعهم الصحي.
حتى من يُطلق عليهم بالمنسقين للشؤون الإنسانية، وقعوا في وحل الكذب والمتاجرة بأرواح اليمنيين، رأينا ذلك مع ليزا جراندي التي أزكم فسادها الأنوف.
جراندي بدأت مهمتها كمنسقة للشؤون الإنسانية في اليمن – في شهر مارس من العام ٢٠١٨ قادمة من العراق، حيث كانت تلعب نفس الدور، وخلال فترة عملها كان الشيء الوحيد الذي نجحت به هو تقمص هواية سندباد في الرحلات الجوية وجمع أكبر قدر من المكافآت تأمن معها على شيخوختها.
ما كان متاحاً كأقل تقدير للأمم المتحدة هو تنظيم جسر طبي بإشرافها يقوم بإسعاف الحالات الحرجة من المرضى، إلا أنها فشلت أو تقاعست في تنفيذ ذلك تحت مبررات مخجلة من قبيل عدم توفر الدعم، بينما نسمع كل عام جعجعة المانحين، فأين كانت تذهب كل تلك المليارات من العملة الأجنبية؟
رئيس اللجنة الطبية العليا، مسؤول ما كان يعرف بالجسر الطبي مطهر الدرويش – بعد عام على إعلان تعليقه وتسجيل آلاف الحالات المرضية المستعصية, منظمة الصحة العالمية تبلغنا بإلغاء الجسر الطبي الجوي على مطار صنعاء الدولي.
يقول الدرويش: منظمة الصحة العالمية أبلغتنا بأن إلغاء الجسر الجوي الطبي جاء نتيجة لظروف مادية تمر بها المنظمة الأممية.
على إثر ذلك، ما يقارب العشرة آلاف حالة مرضية توفوا من ضمن 35 ألف حالة تم تسجيلها ضمن الجسر الطبي المتوقف للأمم المتحدة.
في تصريحاته الأخيرة، مدير مطار صنعاء الدولي خالد الشايف أكد أن الرحلات المكوكية لطائرات الأمم المتحدة والتي حطت على مطار صنعاء الدولي منذ اغلاقه قبل خمسة أعوام بلغت أكثر من 5000 رحلة أممية.
وقال الشايف: معظم الرحلات الأممية على مطار صنعاء الدولي منذ إغلاقه أمام الرحلات المدنية أتت لأغراض خاصة بالموظفين الأمميين وأهاليهم.
ولفت إلى أنه لم تسمح أي منظمة أممية بترحيل أي حالة مرضية ضمن رحلاتها المتوالية على مطار صنعاء الدولي
بل إن إحدى منظمات الأمم المتحدة هددت بإيقاف نشاطها في حالة إصرار وزارة الصحة على ترحيل أي حالة مرضية مستعصية ضمن رحلاتها إلى الخارج.
وبحسب تقارير، فإن طائرات تابعة للأمم المتحدة كانت تنفذ رحلات إلى مطار صنعاء الدولي من أجل أمور بسيطة لا تستحق مثلاً نقل عدد من الكيلوهات من المواد الغذائية الخاصة لموظفين تابعين للمنظمات في صنعاء، بل وأحياناً، طائرة خاصة تحط في مطار صنعاء ليتبين أنها إنما جلبت على متنها جهاز (حاسوب)، وليس في وارد حسابها نقل ولو مريض واحد.
موقع صحيفة الحقيقة