تفاصيلُ معاناة يعيشها المئاتُ من النازحين بمخيم بدائي في سوق مدينة المحابشة
في جولة ميدانية قامت بها صحيفة المسيرة لمخيمات النازحين في محافظة حجة
المسيرة: جبران سهيل
في ظلّ ظروف صعبة وبرد قارِسٍ، يعيشُ الكثيرُ من أطفال اليمن، تبدو المخيماتُ وكأنها “الملاذ الأخير لهم”، ومع هذه الأوضاع المتردية، الشتاء حمل للنازحين في اليمن مزيداً من المعاناة، خَاصَّةً في ظل حديث نازحين عن تراجع المساعدات المحلية والدولية المقدمة إليهم، بل إنها تكادُ تكونُ منعدمةً في كثير من مناطق تجمعات النازحين والمهمشين.
الكابوسُ هو المعنى الحقيقي لفصل الشتاء بالنسبة للنازحين والمهمشين والمشردين في اليمن، وما يصاحبه من معاناة متواصلة لا تتوقف، جراءَ مياه الأمطار التي تغمر خيامهم المهترئة، وفي هذا الشأن تسلّط صحيفة المسيرة الضوء على هذه الشريحة من المجتمع والتي تتوسع يوماً تلو الآخر؛ بفعل استمرار العدوان والحصار.
نازحون يعانون البردَ دون حيلة:
في البداية كانت مدينة المحابشة بمحافظة حجة، وجهتنا لإظهار قضية إنسانية مختلفة تطالعون تفاصيلها تالياً.
إنها ظروفٌ وأوضاعٌ صعبة بالغة التعقيد يعيشها النازحون والمهمشون بهذه المديرية الجبلية الجميلة، التي خدشت الغارات الأمريكية السعودية وجهَها المشرق.
تفاصيلُ المعاناة عند العائلات تبدأ حين سماعها بقرب، أي منخفض أَو حتى زخة مطر، إذ تشمّر عن سواعدها استعداداً لمياه الأمطار، التي تدخل إلى مساكنهم بكل سهولة ويسر ومصدرها من السماء والأرض معا.
عشراتُ الأسر الفقيرة هنا بمخيم “المخضيرة” منطقة الدودة بمدينة المحابشة، حين تشتد الأمطار، فإنها تغمر كافة المكان حولهم.
عائلات نازحة ومهمشين يعيشون شتاءً قاسياً عليهم وعلى أطفالهم؛ بسَببِ انعدام المساعدات المتمثلة في توفير المخيمات المجهزة بكافة المستلزمات الضرورية والخَاصَّة بفصل الشتاء، حتى لوقاية النازحين من البرد الذي يعانونه؛ كَون أغلبهم يسكنون في خيام أَو ما تسمى “عشش” تفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم.
هذه العائلاتُ محتارةٌ بين الأولويات التي يمكن أن تجعل أطفالها على قيد الحياة، ولو أن هذه المعاناة متكرّرة في كُـلّ الفصول؛ فهل يؤمنون للأطفال الغذاء أم الدفء أم الدواء الذي يقيهم من الموت؛ بسَببِ الأمراض التي تنتشر مع انتشار البرد وغزارة الأمطار؟ وبسببِ التلوث وانتشار البعوض الناقل لكثير من الأمراض.
أحدُ النازحين يروي كواليسَ المعاناة:
يقولُ أحدهم: “تعودنا على الغرق وننام في الماء وفي برد شديد دائماً”، خَاصَّة مع استمرار هطول الأمطار خلال هذه الأيّام تتضاعف المعاناة.
ليست هذه العائلات وحدَها من تعاني طيلة العام، وتزداد معاناتها مع هطول أمطار فصل الشتاء، أَو الأمطار الموسمية، إذ يشبه حال هؤلاء حالَ آلاف العائلات الأُخرى المنتشرة من شمال الوطن إلى جنوبه؛ نتيجةَ العدوان العبثي الغاشم.
هناك عائلاتٌ تقتات على خبز المساعدات المحلية، وتوفر بعض من حاجياتها الأَسَاسية، بينما تعيش أُسَرٌ أُخرى وكثيرة أوضاعاً اقتصاديّة أكثرَ سوءاً جراء عدم حصولها على أية مساعدات كحال هذا المخيم بمدينة المحابشة والمخيم المجاور له.
هنا تدرك جيِّدًا معنى أن تكون تعيساً متألماً مقهوراً في وطن يفترض أن يكون جميع شعبه سُعَدَاءَ، لكن أنهكه عدوان سافر وحصار جائر منذ خمس سنوات، في ظل تكالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة بمخالب وحشية مصبوغة بطلاء إنساني.
دورُ الجهات المختصة:
هنا بالذات لا يمكنُ أن يكونَ المجلسُ المحلي ومكتب الصحة بالمحافظة والمجلس الأعلى للشؤون الإنسانية في منأىً عن هذه الكارثة الحقيقية وينتظر منهم تحَرّك جاد وسريع لعمل حلول تنقذ أرواح الكثير، وتوجيه دعم عاجل لمستشفى المديرية؛ مِن أجلِ تقديم خدمات أكثر لمرتاديه، وتوجيه واحدة من المنظمات الكثر التي بالمحافظة التي تعبث بالأموال في مناطق لا تعيش مثل هذه الكارثة وفيما لا فائدة منه لتجهيز مخيم يليق بهؤلاء البشر!.
ويحذر الأطباء من أن فصل الشتاء يكون قاسيا عادة على الأطفال بشكل خاص، حيث يواجهون خطراً أكبرَ بالتعرض إلى أمراض الجهاز التنفسي نتيجة الجو البارد، والأمر المأساوي أنهم يتعرضون للخطر أَيْـضاً عندما تحرق العائلات البلاستيك والمواد السامة الأُخرى في الداخل؛ مِن أجلِ الحصول على التدفئة.
هنا وجدنا الجميعَ يعاني، يعيشون أوضاعاً إنسانية ومادية صعبة للغاية؛ نتيجةَ توقفهم عن العمل منذ سنوات بفعل الأوضاع الاقتصاديّة السيئة التي أنتجها العدوان السعودي الأمريكي على اليمن بشكل عام، إذ بالكاد الجميع هنا يوفرون “الخبز الجاف” لأطفالهم وعائلاتهم من عملهم في جمع مخلفات السوق المحيطة بهم ومساعدة الباعة والمتسوقين.
هنا حقيقة لا مبالغة نُقشت ملامح المعاناة على بقايا خيام بدائية ممزقة تفتقر لأبسط معايير العيش، يسكنون بها والآلام تعتصر أفئدتهم؛ لأَنَّهم بشر ولهم حقوق كغيرهم.
الفقر المدقع ظهر كذلك على زوايا هذا المخيم الفارغ من أي محتوى فلا فرش أَو بطانيات أَو ملابس تقيهم وتقي أطفالهم ضراوة البرد وقساوة الجوع ولا إنسانية المنظمات وعبثيتها وعشوائية العاملين فيها، ملامح أُخرى ومتنوعة حملت البؤس والألم المرافق لهم دوماً.
حتى هذه الطرابيل الممزقة والمنهكة تتقاسم معهم الألم والحرمان، وتحكي تفاصيل الحياة القاسية.
ولأَنه يسمى البلد السعيد تسعى قوى الغزو والارتزاق بقوة كي تجعله بلداً حزيناً يتسول شعبه رغيف الخبز منهم ليذيقوه الذل مراراً، ويجعلونه تحت الوصاية الخارجية والقهر للأبد.
ومع اقتراب تدشين العام السادس من الصمود اليمني في وجه العدوان وأدواته يظل اليمن ثابتاً مواجهاً للغزاة، لا مكانَ للهزيمة والانكسار بقاموس أبنائه الأحرار مهما بلغت المعاناة ومهما كانت التضحيات.