ناجون يروون وقائع القصف الوحشي لجبل نقم
- علاء كامل: لو أن الذي أطلق الصاروخ سمع بكاء النساء وصراخ الأطفال لما أقدم على هذه الجريمة
- إبراهيم المفتي: الغبار الكثيف والنيران المشتعلة والركام والشظايا جعلت النزوح صعباً على سكان حي نقم والكثير من المواطنين لم يستوعبوا ما حدث
- أحمد جبير: بسبب اليوم المرعب جراء القصف أصيبت ابنتي بالجنون وقمت بربطها خشية أن تفر
المسيرة / خاص
إرتكب العُـدْوَانُ السعوديُّ على الـيَـمَـن جريمةً أخرى تضافُ إلى سلسلة جرائمه البشعة التي ارتكبها في حق الشعب الـيَـمَـني، تمثلت في قصف حي نقم السكني بأمانة العاصمة, ما أدى إلى استشهاد وإصابة أَكْثَـر من 400 مواطناً وتدمير المنازل السكنية في الحي.
وحسبَ تقرير اللجنة الوطنية لتوثيق جرائم العُـدْوَان وتنسيق جهود الإغاثة فإن العُـدْوَانَ السعودي على الحي السكني بمنطقة نقم بأمانة العاصمة بعدَ عصر الاثنين الماضي جَدَّد همجيتَه في استهدف إنهاء حياة البشر ومساكنهم في تلك المنطقة وتدمير كُـلّ مقومات الحياة كما فعل في حي المراون السكني بمنطقة سعوان وَحي فج عطان بأمانة العاصمة والكثير من المناطق في صعدة وعمران والحديدة وعدن ولحج وغيرها.
وبيَّن التقرير “تحت قدمي جبل نقم تقعُ الكثيرُ من الأحياء الشعبية التي عاش معظمُها هولَ التفجيرات الوحشية التي وصل امتدادُها إلى معظم أحياء العاصمة التي تبعد كَثيراً عن حي نقم”.
وقال التقريرُ: “إن فريقاً من اللجنة نزل ظهيرةَ اليوم الثاني للتفجيرات العُـدْوَانية إلى قلب الحي الشعبي الذي ترك الكثير من القصص بعضها لا يعلم عنها شيئاً؛ لأنها أَصْبَـحت سراً من أسرار الجثث التي ترقد في ثلاجة الموتى, وبعضُها تتبعنا خيط الدماء التي تحكي عن الجرحى وعن الرعب الذي طال الساكنين مما ذكرنا برعب يماثله حصل مع انفجار عطان في 20 إبريل الماضي”.
وأضاف التقرير “الجبل الذي عاش في ظله أَبْنَـاء حي نقم حارة السد كان رحيماً بساكنيه، فغطَّى عليهم من الحمم والشظايا وَالتي كانت تندفع بقوة هائلة إلى مناطق أبعد كشارع الرقاص وتونس وغيرهما.. لكن الرعب الذي خلفته الأَسْلحَة الفتاكة من صواريخَ وقنابل أُلقيت بحقد بالغ على تلك المنطقة, ذلك الرعب لم يعشه أحدٌ كما سكان نقم”.
ووصَفَ التقرير حال الحي ففي السور المحاذي لحديقة برلين وباتجاه حارة السد بأنها تضم 600 إلى 700 بيت، وأن أقل أسرة تتكون من تسعة أَفْـرَاد، حيثُ وجد في تلك الحارة قصص الرعب التي لا زالت متناثرةً كتناثر شظايا الزجاج في كُـلّ بيت, حتى الأبواب كأنها أصيبت بالرعب فنخلعت من شدة الفزع فكيف بالقلوب التي كانت كلها تبكي وتصرخ وتبحث عن طريقة للخروج من جهنم التي أشعلها العُـدْوَان بأسلحته التي تساقطت على رؤوسهم؟”.
وعن صورة الفجيعة التي عمَّت الحي وكيف أمطرت السماءُ نيراناً وأحجاراً وشاركتها البيوت بنوافذها وَأبوابها وجدرانها بالسقوط, يحكي علاء حسين الكامل كيف شاهد الصواريخ الأولى التي هزت الحي وكيف تناثرت وبدأ الناس يخرجون في خوف, مُشيراً إلى أن الطائرة كانت تطير على علو منخفض وتسقط سلاحاً لم يتمكن من وصفه, حيث يقول فريقُ اللجنة: من شدة ما وصفه علاء الكامل وما فهمناه منه أَن ذلك السلاح كبير الحجم وأنه لم يرَ شيئاً يماثله من قبل.
ووفقاً للتقرير لم يتحدث علاء عن نفسه كَثيراً لكنه كان متوجعاً على ما أصاب النساء وَالأَطْفَـال من رعب, مستنكراً كيف يمكن لمَن يحمل نفسَ الدين وَنفس النبي وَيكون مسلماً أَن يقتل بهذه القسوة ودون ذنب.
يقول علاء: “لو أَن الذي أطلَقَ الصاروخ سمع بكاء النساء وصراخ الأَطْفَـال وخوف الشيوخ, لو أنه رأى زوجة العديني التي ارتفع لديها السكر وفارقت الحياة, أو أحد رجال الحي الذي مات بارتفاع الضغط عنده, لو رأى أولئك كلهم لربما رَقَّ قلبه وعاتبه دينه ومنعه قرآنه من أَن يفعل بنا ما فعله”.
فيما تحدث المواطن إبراهيم محمد يحيى المفتي أنه كان خارج صنعاء وأن زوجته وَأَطْفَـاله الثلاثة كانوا في المنزل, حين سمعوا أول ضربة اهتزت لها الدنيا, ولم يستوعبوا ما حصل حتى لحق الصاروخ الثاني وكانت الضربة أشد من الأولى وبدأت البيوت بالارتجاج والتساقط ولف الذعر الجميع وبدوا بالخروج من بيوتهم؛ بحثاً عن النجاة، لكن الغبار والنيران المشتعلة والركام والشظايا جعلت النزوح صعباً على كُـلّ سكان الحي كانت النيران تتقدم مسيرُهم وكأنها هي الأخرى تريد أَن تفرَّ من الصواريخ والقنابل التي تنزل تباعاً”.
ويحكي أجمد جبير عن ابنته دون أَن يسميَها ويقول: بسبب الرعب الذي عاشه الحي بسبب اليوم المرعب أصيبت بالجنون وانه قام بربطها خشية أَن تفر.
ويقولُ فريق اللجنة بأنه أمام بوابة مدرسة غمدان كان على محسن صالح الضالعي يردد “هنا ابني, لم نجد إلَّا بقايا دماً” فقتربنا نسأل العم علي عن الأمر, كان الرجل مغموراً بالحزن وهو يحدثنا عن عبدالرحمن الذي كان طالباً في الصف التاسع ولم يبلغ السادسة عشرة وهو هاربٌ من البيت مع أمه وأخواته بعد أن بدأت السماء تمطر نيران وقنابل, أصيب بشظية في رجلَيه أمام بوابة المدرسة التي يدرُسُ فيها, لكن إصابته في رجله الـيُمْـنى كانت بالغة، مما أدى إلى بترها.
وأضاف “فيما أصيبت والدته بالشظايا في رجليها وذهبت بهم إلى مستشفى الثورة ولم يتم قبولهم؛ لأن كثرة الحالات التي كانت تصل تباعاً للضحايا تفجيرات حي نقم فاقت قدرة المستشفى الاستيعابية فذهبت بهم إلى مستشفى خاص”.
وأشار التقرير إلى أن أحَد سكان الحي قال بأنه حين أفاقوا لصلاة الفجر رأوا الشارعَ أَمَـام مدرسة غمدان مغطىً بقطع صغيرة من اللحم وأجزاء من العظام وأن الكلاب قد تجمعت لتأكلها.
وقال التقرير “بعد الصاروخ الأول شهد مسجدُ الذكر نزوحاً للنساء القريبات ظناً منهن أنه مكان آمن ولا يمكن استهدافه لكن الصاروخ الثاني خيّب ظن الجميع وأصاب المسجد بأضرار بالغة، فتطايرَت النساء هاربات من الشظايا وجبروت العُـدْوَان الذي لم يحترم هذا المسجد وكذلك فعل بمسجد الرحمة في نفس الحي”.
وأوضح التقرير أنه حسب إفادات التقارير الأولية أن أَكْثَـر من (40) شَخْـصاً قضوا نحبهم جرَّاء التفجيرات التي استهدفت حي نقم، وأن هناك أَكْثَـرَ من (300) جريح, وبسبب الحصار الذي يفرضه العُـدْوَان براً وبحراً وجواً فإن عدداً كبيراً من هؤلاء الجرحى ممن لا يمكن إسعافهم بما يحتاجونه من الدواء المناسب مرشحون للرقود في ثلاجة الموتى كجرائم مركبة.
ولفت التقرير إلى أنه “يوجد في ثلاجة الموتى في مستشفى الثورة ثمان جثث من ضحايا العُـدْوَان الذي استهدف الأبرياء في نقم, بعضهم مجهولُ الهوية وبعضهم تفحمت جثته وَبعضهم تناثر دماغه وَالبعض مفصول الرأس”.
ونقل التقرير الوضعَ الإنساني في بعض أقسام مستشفى الثورة العام الذي تأثر معظمُه جراء العُـدْوَان الهمجي لحي لنقم, حيث وجد في العناية المركزة بقسم الجراحة في المستشفى حسب ما قيل لفريق اللجنة أنه مراسل قناة السعيدة رضوان السماوي وهو ليس من سكان حي نقم ولم يكن ماراً في ذلك الحي ساعة الانفجار، وإنما داخل منزله في شقته في الدور الثالث في شارع الرقاص.
ولم يتوقع رضوان أو يخطر بباله وهو يسمعُ أن بداية الانفجار في نقم أنه هو وأمه وابنة أخته سيكونون من ضحايا ذلك الانفجار.
ويصف الطبيب عماد النجري حالة رضوان بالسيئة ويقول: المريض خضَعَ لعملية بتر من أعلى قمة الرجل اليُسرى، كما أنه يعاني من تهتك شبه كلى للذراع الأيمن وإذا لم تستجِب ذراعُه للأدوية فسيتم بترها.
وغير بعيد عن رضوان سمع الفريق الطفل محمد عصام ناصر الذي لا يتجاوز السادسة من عمره بأن الشظايا أصابته في البطن أصابته مما أدت إلى تلف في الطحال وَأجريت عملية لاستئصالها.
ويقول تقريرُ اللجنة الوطنية لتوثيق جرائم العُـدْوَان وتنسيق جهود الإغاثة “ما بين الطفل الذي بدون رأس والطفل الذي بدون طحال, والطفلة التي جُنَّت وَالأَطْفَـال المفقودين حتى اللحظة سجلٌ طويلٌ في قائمة انتهاكات بحق أَطْفَـال الـيَـمَـن وانتهاكات أخرى بحق الإنسان الـيَـمَـني أينما كان”.