إزالة النظام السعودي، تدمير الجيش المصري، إثارة صراع طائفي بغرض التقسيم
المشروع الأمريكي الإسرائيلي.. قيد التنفيذ
كتب/ صبري الدرواني
لا يكاد يخفى على كل متابع للأحداث في الجزيرة العربية والعالم أجمع، طبيعةَ المشروع الأَمريكي الإسْـرَائيْلي في المنطقة بأنه “مشروع الفوضى والتجزئة والتقسيم هو الذي يشتغل أيضاً في بلدنا الـيَـمَـن”.
وأشار السيد عبدالملك الحوثي في إحدى خطاباته أن هذا المشروع أو المؤامرة التي يتحرك بها الأعداء “أَمريكا وإسْـرَائيْل” في أوساط الشعوب العربية والإسلامية لها العديد من الأهداف والنتائج، وبالتأكيد فإلهاءُ الشعوب العربية وإغراقها في صراعات ومشاكل حتى لا تتمكن من الالتفافِ حول قضيتها المركزية فلسطين.
ومن هذا المنطلق يظهرُ جلياً أن الكيانَ الصهيوني أدرك أهمية الخيارات الأخرى غير القوة العسكرية، بعد أن فشلت حروبه التي شنها منذ عام 1948 وحتى العُـدْوَان الأخير على غزة باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وهو الأمرُ الذي فرض عليه الحصار والعُزلة، فأخذ يفتشُّ عن خيار آخر في ظل إستراتيجية الفوضى الخلاقة لكسر العزلة للوصول إلَـى ما أسماه المفكر الإسْـرَائيْلي بـ “حالة الاندماج في البيئة الإقليمية لأغراض الهيمنة وقيادة المنطقة”.!!
وفي خضم التفاعلات والأحداث التي عصفت بالمنطقة، وخَاصَّـة بعد أفول الحرب الباردة، ظهرت تدابير في صيغ مشروعات سياسية إقليمية تستهدفُ تفكيكَ وإعادة تركيب المنطقة العربية على وجه التحديد وفقاً لرؤية (إسْـرَائيْلية أَمريكية أوروبية) مشتركة.. فالكيان الصهيوني طرح مشروع (الشرق الأوسط الجديد) وتبنته إستراتيجياً الولايات المتحدة وخططت من أَجل تطويره وتوسيعه، وهو يمثل أحد أخطر المشروعات التي أعدَّتها للمنطقة.
قد توحي أطروحة “شيمون بيريز” بأن الإستراتيجية الإسْـرَائيْلية قد تخلت عن منهجها في استخدام القوة، ولكن الحقيقة أنها تختفي خلفها المشاريع المريبة، حيث تريد أن تعيد تقسيم الشرق الأوسط وفق المخطط التي رسمته؛ لتشكل ما يسمى بـ(نظام الأمن الإقليمي) في المنطقة يُبنى على أسس اقتصادية ذات مصالحَ متشابكة بقيادة إسْـرَائيْلية ومعاونة أَمريكية أوربية.
ولكن هذه المشاريع بالطبع بحاجة إلَـى جُهد وعملٍ كبيرٍ في منطقة الشرق الأوسط، لتتمكن من تهيئة الأرضية المناسبة وإزالة العوائق أمام تنفيذ مشروعها المزعوم، وقد كانت الخطوة الأولى وهي خلقُ الفوضى الخلاّقة وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط؛ لتتمكن من الوصول إلَـى تجزئة وتقسيم البلدان العربية وفق مخططها وما تريده.
وقد كانت الطريقةً التي يمكن أن ينفذوا بها هذا المخطط هي مشروع التجزئة والتقسيم وإثارة الحرب بين أبناء البلدان العربية على أساس طائفي مذهبي، لكي يتمكنوا من مواجَهة إيران ومحور المقاومة في المنطقة بحرب لا يكونون طرفاً فيها، ويكتفوا باعتمادهم على جيش مبني على عقيدة قتالية ذات طابع طائفي تتم صناعتُه عبر خلق نوع من الصراع الديني الطائفي، وذلك بشحن تعبوي كُلّ تيار ضد الآخر، لتكون النتيجة الحتمية لهذا الشحن والتغذية أن العدو الأول للشعوب العربية والإسلامية هو “الشيعي أو السني” وفي ذات الوقت تكون هناك قناعة لدى هذه الجماهير بضرورة وجود دولة يهودية في المنطقة أمراً مقبولاً وغير مستنكرٍ.
أفغانستان كانت أولى الدول الإسلامية التي أسقط المشروع الأَمريكي الإسْـرَائيْلي تجاربَه ودراساتِه عليها، فبدأ بتحشيد الشباب العربي أتباع الفكر الوهابي المتطرف إليها لمواجهة أعداء أَمريكا في ذلك الوقت وهم “الاتحاد السوفييتي” حينه، والسيطرةُ على أفغانستان، لتتمكن أَمريكا من وضع قواعدهم العسكرية على الحدود من دولة إيران الإسلامية، واستغلت تلك الفترةَ لتدريب هؤلاء الشباب عسكرياً وتعبئتهم وشحنهم طائفياً ومذهبياً ليكونَ هؤلاء الشباب هم الجيش العقائدي الذي سيواجه به أي خطر أو تهديد يقف أمام تنفيذ مشروعها على الأرض.
وهناك العراقُ والتي تحُــدُّ إيران من جهة الغرب، أراد المشروعُ الأَمريكي الإسْـرَائيْلي أن من الضروري دخولَ العراق دخولَ العراق وتدمير الجيش العراقي الذي أصبح من الجيوش ذات الخِبرة العالية والمدربة، وعقيدته القتالية أن الصراع “عربي إسْـرَائيْلي”، ومن ثَمَّ تقسيم العراق إلَـى ثلاث دويلات “سنية وشيعية وأكراد” وبناء جيش طائفي عقيدته القتالية ذات طابع طائفي فقط، ووصول القواعد العسكرية الأَمريكية إلَـى حدود دولة إيران الإسلامية.
وخلال 17 سنة استطاع المشروع الأَمريكي الإسْـرَائيْلي الوصول إلَـى هدفه، حيث دمَّر الجيش العراقي تماماً، ووصل إلَـى إنهاء الدولة العراقية وتدمير الإنجازات العلمية التي كانت قد وصلت إليها العراق، وعمل على خلق صراع طائفي ديني في العراق، وصناعة جيش طائفي في جُزء كبير من العراق.. وهنا يأتي قرار الكونجرس الأَمريكي بالتصويت على مشروع تقسيم العراق لـ3 دويلات، حيث قرَّرت لجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب الأَمريكي التصويت على مشروع قانون يقسّم العراق، ويتعامل مع البيشمركة والسُّنة في العراق “كبلدين” منفصلين عن بغداد.
تدشين التنفيذ للمشروع:
وفي 2011 دشَّنَ الأَمريكي والإسْـرَائيْلي تنفيذ مشروعه على بقية البلدان العربية والذي يهدف إلَـى تمزيق الدويلات العربية، وهو ما صرَّحَ به بوش آنذاك.
حيث رأى الأَمريكيون أن في العالم العربي أنظمة تقف عائقاً أمام تنفيذ مشروعهم، ولا بد أن تتم إزالتها لتنفيذه، وهو ما أكده الرئيس الأَمريكي أوباما منذ توليه، حيث اعتمدت الإستراتيجية الأَمريكية الصهيونية في الفترة الأخيرة على أن تحاربَ أعداءها “بالجيش الطائفي” والمال العربي، بحيث لا تخسر ولا دولاراً واحداً.
أحداثُ الربيع العربي 2011 استهدفت الدولَ ذات التواجد الإخْـوَاني أكثر من غيرها، وهذا ما يدلل على أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن شيئاً ما هو من حركها ويهدفُ من تحريكها الوصول إلَـى تحقيق نتائج المرجوة والمعدة.
وقد كان النظام المصري آنذاك المتمثل في حسني مبارك ثاني الأنظمة المستهدفة والتي قرَّر الأمريكي إزالتها وتبديلها، وقد يقولُ البعضُ: لا يوجدُ مبررٌ منطقيٌّ يجعلُ من الإدارة الأَمريكي والصهيونية إزالة مبارك من الحكم واستبداله بآخر في الوقت الذي كان مبارك متماهياً مع السياسة الأَمريكية والإسْـرَائيْلية.
والإجابة على هذا التساؤل تكمُنُ في أن المشروعَ الأَمريكي الصهيوني يسعى إلَـى إحداث الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الأوسط وإثارة الصراعات الدينية الطائفية بين أبناء البلد الواحد، وهنا نرى أن نظامَ مبارك حينها لا يدعم ما يريدُه الأَمريكان؛ كونه نظاماً علمانياً غير متشدد، بالإضافة إلَـى أن الجيش المصري ذو كفاءة عالية ومدرَّب ومبنيٌّ على عقيدة قتالية محورها أن العدو هو “إسْـرَائيْل”، وأن الصراعَ عربي إسْـرَائيْلي، وهو ما يمثِّلُ عائقاً أمام المشروع الأَمريكي الصهيوني الذي يسعى لإثارة الفوضى والنزاعات الطائفية وتوجيه العداء إلَـى الداخل بعيداً عن إسْـرَائيْل، وبالتالي استُهدف هذا النظام وتمت إزالته، وقد كانت حركةُ “الإخْـوَان المسلمين” الجهة المتفَّقَ عليها لاستلام السلطة في تلك البلدان ومصر بالذات؛ كونها تمتلكُ القابلية لتغذية الطائفية والتعبئة والشحن على أساس أن الصراعَ “شيعي سني” وحرْف بوصلة العداء عن إسْـرَائيْل، وتم تسليم الحكم في مصر إلَـى الإخْـوَان المسلمين بفوز الرئيس مرسي، والذي سَرعانَ ما أكَّد صوابيةَ المخطط بأن هذه الجماعة تتماهى وتتقبل إقامةَ دولة يهودية مجاورة، وتعتقدُ أن العدو الأول هو “محور المقاومة الشيعي”.
الـيَـمَـن كان البلد الثالث من الأنظمة المستهدفة لإزالتها؛ لتنفيذ “المشروع الأَمريكي” فيه وجعله قاعدةً إستراتيجيةً في قلب الجزيرة العربية لتغذية هذا الصراع، ولا يمكن أن يكون هذا إلا بتسليم السلطة في الـيَـمَـن للإخْـوَان المسلمين المتمثل بحزب التجمع الـيَـمَـني للإصلاح؛ كونه يمتلك القابلية لتتماهى مع هذا المشروع وتعبئة قواعده الشعبية على أساس طائفي، بالإضافة إلَـى أنه يسيطر على جزء كبير من الجيش عبر اللواء علي محسن الأحمر سلفي المعتقد، ويحمل العداء الكبير للشيعة وحركات المقاومة.
وبالتالي كان لزاماً عليهم إزالة علي صالح وتدمير الجيش الـيَـمَـني مركِّزاً على قوات النُّخبة الحرس الجمهوري وبناء جيش يحمل عقيدة قتالية طائفية يرى أن العدو الأول “محور المقاومة الشيعي” وليس إسْـرَائيْل.
وبعد أن تم تسليمُ السلطة لعبدربه منصور هادي وفقاً للاختيار الأَمريكي والدولي سعى الأولُ إلَـى تقسيم الـيَـمَـن إلَـى ستة أقاليم على أساس طائفي ومناطقي، بما يخدُمُ المشروع الأَمريكي الصهيوني.
النظامُ السعوديُّ هو الآخر كان يمثلُ عائقاً أمام هذا المخطط، وقد يكونُ من الدول المستهدفة في المرحلة الثانية، وذلك لأنه كان المركَز السني في الشرق الأوسط، لكنه لن يسمحَ بقيام الجيش المراد تشكيله طائفياً؛ لأن النظامَ السعودي سيكونُ من الأهداف الأولى لهذا الجيش، لولاء الجيش الطائفي لداعش وحلمه في إقامة “دولة الخلافة”، فسعى “الأَمريكإسْـرَائيْلي” إلَـى صناعة قطب سُني آخر؛ ليمثِّلَ المغناطيسَ لجذب الجناح السُّني المتشدد إليه.
وفي تلك الفترة تم إحياء الحديث عن الخلافة الإسلامية والعثمانية، ووصل الأمر إلَـى كُلّ البلدان العربية بتقديم تركيا كنموذج يلهبُ حماسَ الجماهير السنية كلها، وقام القطريون بإرادة أَمريكية بتسخير أموالهم للاستقطاب.
وقد كان هذا الاستقطاب يتمحورُ لمواجهة إيران والحركات المقاومة في الوطن العربي، وسبق أن فُتحت الحدود بين سوريا وتركيا، وهذه كانت من أكبر الأخطاء التي ارتكبها بشار الأسد خلالَ فترة حكمه، حيث استُغلت للتجنيد والإعداد والتعبئة الطائفية لتدمير سوريا.
تدمير سوريا ثم تقسيمها:
أولى الدول التي تم استهدافُها – حسب المخطط الصهيو أَمريكي – هي سوريا، والتي تعتبر أولى الدول العربية اكتفاءاً ذاتياً على نفسها، وداعماً رئيسياً لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان، وكان المرادُ أن يتمَّ تدميرُ هذه الدولة تماماً وتدمير بُنيتها التحتية وإنهاك جيشها القومي الوطني؛ لأنه يرى في أن إسْـرَائيْل هي العدو، ومن خلال التعبئة الطائفية وتحشيد الشباب السني المتطرف وتجييشهم إلَـى سوريا لخوض حرباً ضد النظام السوري، ولمدى أربع سنوات، بالفعل استطاعوا أن ينهكوا ويدمِّروا سوريا، وفي المقابل كانت إسْـرَائيْل على الحدود تحظى بالأمن والاستقرار والرخاء؛ لأن هؤلاء الشباب تمت صياغةُ عقيدتهم القتالية وحرْف بوصلة العداء باتجاه الداخل المسلم الشيعي، واعتباره هو الخطر، وباتوا متقبِّلين بوجود دولة يهودية إسْـرَائيْلية.
وقد كشفت مؤخّراً مجلة «إسْـرَائيْل ديفنس» العبرية، عن بداية تنفيذ تقسيم سوريا إلَـى عدة دويلات، حيث أكدت المجلة أن اتصالات تجري بين الولايات المتحدة وروسيا، لفرض وقف لإطلاق النار في سوريا، وتقسيمها إلَـى دويلات، بحسب مناطق سيطرة الجهات المتقاتلة عليها.
وكتب ناشر المجلة عامير ربابورت، أن «الاتصالات الجارية بين واشنطن وموسكو تؤكدُ أن المعارك الدائرة في الساحة السورية من شأنها أن تؤدي إلَـى تقسيم سوريا إلَـى عدة مناطق، مع وقف للعمليات القتالية».
الغاية من إدخال الجيش المصري إلى اليمن:
يأتي استهدافُ الجيش المصري من قبل المشروع الأَمريكي الصهيوني من خلال الزج به في مواجهات ميدانية مع الشعب الـيَـمَـني؛ وذلك لأن دخول الجيش في مواجهات بالتأكيد ستكون هناك خسائر بشرية ومادية ومعنوية أيضاً، وقد يصل الجيش المصري إلَـى حالة من الإنهاك، وستكون هذه المشاركة نقطة البداية لنهاية هذا الجيش.
وبالتالي ستمثل أية هزيمة للجَيش المصري في اليمن كسراً لهيبته أمام الشعب المصري، وهو ما ستترتب عليه انعكاسات واحتجاجات شعبية ضد النظام المصري، وذلك بأنه أدخل الجيش المصري في حرب ليست له فيها لا ناقة ولا جمَل، وعمل على تدمير الجيش، ولن تنتهيَ هذه الاحتجاجات إلَـى بإزالة عبدالفتاح السيسي من الحُكم وتسليم السلطة لجهة تساعد على تنفيذ المخطط الصهيوني الأَمريكي في بناء جيشٍ طائفي وإتاحة المجال للتعبئة الطائفية والشحن.
حتى النظام السعودي.. في مرمى المشروع:
السعودية حينها أشعرت بالخطر، واعتبرت أن هذا المشروعَ يهدد وجودها وسيؤدي إلَـى نهايتها، لذلك كانت لها ردة فعل قوية واندفعت لمواجَهة الإخْـوَان المسلمين في مصر لإنقاذها من مشروع التجزئة والتقسيم والتدمير ودعمت السيسي وأوصلته للحُكم.
كما أن النظام السعودي يمثل عائقاً في إخراج الطاقة البشرية الداعشية في السعودية والتي تتمثل في السلفيين المتشددين الذين يكنون الولاء لأبي بكر البغدادي أكثر من آل سعود أنفسهم الذي هبطت شعبيتهم في الأوساط الشعبية ولم يعودوا واجهةً لتنفيذ المشروع، وهو ما أكَّده الرئيس الأميركي باراك أوباما بقوله: إن أكبر خطر يتهدد دول الخليج ليس التعرّض لهجوم من إيران، وإنما السخطُ داخل بلادهم، بما في ذلك سخط الشبان الغاضبين والعاطلين والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم.
بالإضافة إلَـى أن المشروعَ الأَمريكي الصهيوني يهدفُ إلَـى تقسيم السعودية إلَـى ثلاث دول، وبالتالي يراد أن تكون السعودية معسكراً للتحشيد الطائفي للحصول على قوة بشرية كبيرة من الجماعات السلفية المتشددة داخل السعودية والذي استمرت تعبئتها طائفياً خلال حكم آل سعود لإدخال المنطقة في فوضى وصراع سني شيعي، يؤدي إلَـى انجرار إيران إلَـى هذا الصراع لتكون النتيجة إنهاكَ كُلّ القوى في الشرق الأوسط.
وبهذه النتيجة يكونُ باستطاعة اللوبي الصهيوني الأَمريكي إعادة تقسيم الشرق الأوسط وفق المخطط التي رسمه مسبقاً، خَاصَّـة وأن الكيان الصهيوني والأَمريكان لا يزالون محافظين على قوتهم وأموالهم ومتحكمين برأس المال العالمي، وتعيش بلدانهم في أمن واستقرار، وجيوشهم مدربة ومسلحة بأجود أنواع الأسلحة.