المسيرة- خاص:
كلُّ ما يعصفُ بالبلاد من أحداث حالياً، كان بالإمكان تجنُّبُها لو التزمت كُلُّ المكونات والقوى السياسية بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة الوطنية.
المخرجاتُ كانت تمثّلُ عقداً سياسياً شاملاً ستخلص البلد والشعب مما يعانيه وتحُلُّ كافة المشاكل المعقدة والكبيرة، لكن السؤال الأكثر الحاحاً هنا هو: ما الذي حال دون تنفيذ هذه المخرجات وتحويلها من كلام مكتوب على الورق إلى تطبيقات على أرض الواقع.
الحقيقة أن السلطة المتمثلة آنذاك في الرئيس عبدربه منصور هادي تآمَرت على تلك المخرجات وجعلتها حبيسة الأدراج، لا ترى النورَ ولا تلامس الواقع ولا تخرج إلى الواقع فعلاً وعملاً حتى يلمس الشعبُ الـيَـمَـني أنه فعلاً يتحرك باتجاه واقع جديد ومرحلة جديدة بناءة.
ويرى مراقبون أن تلك القوى السياسية كانت تغلّب مصالحَها الشخصية على مصالح الشعب وتتصرف بمزاجية تخدم الخارج ولم يكن لديهم واردٌ في بناء الدولة أو إصلاح الاختلالات أو معالجة القضايا العالقة كالقضية الجنوبية وقضية صعدة وغيرها من القضايا، وهو ما كان يقابَلُ باستغراب كبير من قبل أبناء الشعب الـيَـمَـني الذي كان يتطلعُ إلى مؤتمر الحوار الوطني ويرى فيه المخرَجَ لكافة المشاكل التي تمر فيها البلاد.
وعلى هذا الحال استمرت السلطة في تجاوُزِها وخروقاتها لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني وغرقت السلطة كثيراً في الفساد والاستبداد، وبدأت البلادُ تتجه إلى وضع مأساوي وإلى انهيار واضح وملموس، وساءت الأَحْـوَال في كُلّ الاتجاهات على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني بشكل كبير.
التحرك الكبير
وإزاءَ استمرار السلطة والحكومة في تجاهل الشعب الـيَـمَـني، بدأ الشعب في التحرك بكل أطيافه، وجاءت ثورة 21 سبتمبر وأزاحت من طريقها قوى النفوذ التي كانت تتحكم بالقرارات وبالبلاد، وكان من أهم انجازات هذه الثورة توقيعُ اتفاقية السلم والشراكة الوطنية والذي أسَّس لشراكة جامعة فاعلة وتضمن مضامين ذات أهمية كبيرة على المستوى السياسي، منصوصاً عليها ببنود واضحة ومتسلسلة وكذلك على المستوى الاقتصادي وما تلاها من اجراءات تحُدُّ من الفساد وتراعي الفئات المتضرِّرة من رفع مستوى الأجور وكذلك معالجات لصالح كُلّ الفئات المتضررة والمعانية من أبناء الشعب الـيَـمَـني.
ويمكن القولُ إن اتفاقَ السلم والشراكة الوطنية كان عقداً سياسياً يمنياً مهماً منصفاً وعادلاً وقَّعت عليه كُلّ القوى والمكونات السياسية في الداخل، ورحَّبت به كُلّ دول العالم، بما فيها السعودية ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي وطالبوا بتنفيذه.
وكان الاتجاهُ الصحيحُ والسليمُ هو أن تتجهَ كُلُّ المكونات التي وقّعت على هذا الاتفاق إلى تنفيذه والعمل به وإخراج البلاد من الفوضى والفساد وتصحيح الخروقات في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني لكن عبدربه منصور هادي وحزب الإصلاح وبضغط كبير من السعودي مضوا في اتجاه آخر.
اللعبُ من جديد
كانت الإشكالية بعد توقيع هذا الاتفاق هي في عدم التعاطي بجدية من قبل هادي، ولو تحركت كُلّ القوى بجدية في تنفيذ بنود هذا الاتفاق لحدثت تغييرات كبيرة على مستوى الاستقرار الأمني والوضع الاقتصادي والواقع المعيشي والاستقرار السياسي، ولكان الوضع يسير نحو الأفضل.
لكن ما الذي حدث؟
اتجه هادي وحلفاؤه إلى طريق آخر، بدلاً عن تنفيذ هذا الاتفاق، وحدثت مماطلةُ كبيرة في تشكيل الهيئة الوطنية لتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، ورفض هادي وتلك القوى الشراكة الحقيقة وبدأت تعارض وتمانع وتعترض وتتنصل وتحاولُ أن تضيعَ هذا الاستحقاق وأن تطيح به، وقد كان حزب الإصلاح من أول المشككين باتفاق السلم والشراكة.
وبدأ الخارجُ ممثلاً في المملكة العربية السعودية يضغطُ على أدواته في الداخل (هادي وحزب الإصلاح) بعدم إتاحة الفرصة لأنصار الله بالشراكة، وأن يستمروا هُم في السيطرة على الأمور والتحكم بالقرار وبمفاصل الدولة، وامتنعوا بشدة من الشراكة في الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والأجهزة ذات الطابع الرقابي، امتنعوا بشدة من الشراكة فيها لتفعيلها؛ لأنها كانت موجودةً في كُلّ المرحلة الماضية وموجود معها الفساد، جهازٌ موجودٌ والفساد موجودٌ لم يعالج شيئاً ولم يحل مشكلة.
وإزاء هذا التلكؤ كان الجُهد الثوري مستيقظاً، وبدأت اللجانُ الثوريةُ مهامَها في متابعة الفساد والحد منها، ولهذا صرخوا وغضبوا وطالبوها أكثرَ من مرة بالتوقُّف؛ لأنها كشفت عن فساد كبير كان ينهَشُ الدولة وعن شخصيات كبيرة متورطة في هذا الفساد وفي مقدمتهم نجل الرئيس هادي.
وإضافةً إلى نهب ثروات البلاد عمدوا إلى دعم تنظيم ما يسمى القاعدة ليكون رأسَ حربة في مواجهة الثورة الشعبية، والتصدي للثورة وإغراق البلد في الفوضى، ومكّنوها من الانتشار إلى محافظات ورفض هادي أن يعلنَ قرارَ الحرب وأن يحرك الجيش بالاتجاه الصحيح للتصدي لها، واستغلت (القاعدة) هذا الوضعَ فنهبت البنوك، واستولت على المعسكرات وتمددت بشكل كبير في عدد من المحافظات.
كلُّ هذه الإجراءات والخطوات كان هدفها الأساسُ هو الانقلاب على اتفاق السلم والشراكة الوطنية وتوجوا كُلّ هذا بمؤامرة كبيرة وخطيرة جداً أرادوا من خلالها الإطاحة الكاملة بمشروع اتفاق السلم والشراكة ووثيقة الحوار الوطني من خلال تمرير بند في مسودة صياغة الدستور تقضي بتقسيم البلد إلى 6 أَقَاليْم وتمرير هذا المخطط المشؤوم الذي يستهدف بلدنا لتمزيقه.
وفي كُلِّ محاولات إجهاض هذا الاتفاق كان التحرك الثوري فاعلاً، فالثورة لم تسمح بتقسيم البلاد ولا بتوسع تنظيم (القاعدة) ولا بإلغاء الشراكة، وخلال التأزم الكبير بين القوى السياسية بعد تقديم هادي استقالته وكذا الحكومة، دخلت هذه المكونات في حوار ومفاوضات سياسية استمرت لشهرين في فندق موفمبيك، وتوصلت القوى السياسية إلى تفاهمات كبيرة للخروج من الأزمة وحل مشكلة الفراغ الدستوري.
لكن ما حدث هو أن المملكة العربية السعودية باشرت عدوانها الغاشم على الـيَـمَـن؛ لغرض إجهاض أَي اتفاق سياسي يمني يمني يحل مشكلة الفراغ في السلطة، ودخلت البلاد في دوامة من الاضطرابات الداخلية والصراع، حيث دعمت السعودية عناصرَ (القاعدة) وتم تزويدهم بالسلاح لمواجَهة الجيش واللجان الشعبية، وفرضت حصاراً خانقاً على الشعب الـيَـمَـني يوازي القصفَ المتواصل على المواطنين الأَبْـريَاء، كُلّ ذلك هدفه الأساس القضاء على ثورة 21 سبتمبر وإعَادَة الأمور إلى سابقها.
وتحاولُ السعوديةُ حالياً بكل أدواتها إلغاءَ اتفاق السلم والشراكة الوطنية، والعَودة بالـيَـمَـن إلى الحُضن السعودي، فهي لا تريد يمناً قوياً آمنا مستقراً، يمتلكُ قرارَه السياديَّ الخاص، بل تريدُه تابعاً لها خاضعاً وينفذ كُلّ أجنداتها.